قيس سعيد .. الشعبوية في زمن الوباء
هشام الحاجي
لا شك أن رئاسة الجمهورية تمثل واحدة من أهم المؤسسات في النظام السياسي التونسي و هو ما يبرر ما تحظى به من اهتمام و متابعة.
و قد ازداد الإهتمام مع نجاح قيس سعيد في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة لأن أستاذ القانون الدستوري دخل قصر قرطاج بنسبة مرتفعة من الأصوات و لأنه شكل نموذج الرئيس اللانمطي سواء في الحملة الانتخابية التي خاضها أو في برنامجه الإنتخابي الذي اقتصر على شعارين أساسيين يتمحوران حول ” نسف النظام السياسي الحالي ” و العودة إلى “سلطة الشعب”.
منذ توليه رئاسة الجمهورية “يحاول” قيس سعيد أن “يرتقي ” في مستوى الشكل و المظهر إلى مستوى مهامه من خلال الحرص على أناقة مظهره و على ما يرتبط بها من عملية ” الإخراج اليومي لممارسة السلطة ” .
و حتى في اللقاءات التي جمعته بعدد من رؤساء الدول كان أداء قيس سعيد مقبولا و لم يفوت رئيس الجمهورية فرصة الكورونا للتحرك ديبلوماسيا من خلال الإتصال برؤساء الدول الشقيقة و الصديقة و إقتراح مشروع لائحة أممية تؤكد على ضرورة التضامن بين الدول و الشعوب لمواجهة وباء الكورونا.
و لكن لهذا الجانب من السلوك وجها آخر تجلى في “سلوكات شعبوية ” أقدم عليها قيس سعيد في تفاعله مع تداعيات الكورونا على بعض الفئات الشعبية إذ عمد في مناسبتين إلى انتهاك حظر الجولان الذي أقره بحكم صلاحياته و “حرص” على أن يحمل بنفسه “كراتين ” المساعدات الإجتماعية و هو سلوك يطرح أكثر من سؤال حول أهداف قيس سعيد و حول نتائج هذا السلوك.
من الضروري خلال محاولة الإجابة عن هذا السؤال تجنب المقاربة الأخلاقية لأنه ليس في وارد القول التشكيك في نزاهة رئيس الجمهورية و في نظافة يده و لكن السؤال له أبعاد سياسية.
حين ينتهك رئيس الجمهورية إجراءات حظر الجولان و هو أستاذ القانون الدستوري الذي افنى عمره في تدريس القانون و التأكيد على علويته و على أن احترامه يمثل حجر الزاوية في بناء دولة القانون و المواطنة فإن ذلك لا يمثل مدعاة ارتياح لدى التونسيين لأننا أمام ازدواجية “مزعجة” في السلوك.
أما عن الحرص على “الالتحام” تحت جنح الظلام بالمواطنين و تسليمهم “كراتين ” المساعدات فيمكن تفسيره نفسيا و سياسيا. ذلك أن أسلوب قيس سعيد الاتصالي و الذي يعكس شخصيته هو أسلوب بارد لأن قيس سعيد مصر على أن لا يخاطب التونسيين إلا باللغة العربية الفصحى و بأسلوب بارد و جامد من الناحية العاطفية
. قد يكون “حمام الجموع الليلي ” فرصة لاكساب رئيس الجمهورية أساليب جديدة و للقضاء على “خجل فطري ” استعدادا لاستحقاقات قادمة لأن صاحب مقولة “الشعب يريد ” ليس “تلقائيا ” إلى الحد الذي يجعله لا يخطط للمستقبل و لما قد تؤدي إليه الكورونا من اهتراء في مصداقية منظومة الحكم و من حاجة إلى ” إغراء ” الشعب باستعادة السلطة.
و مما قد يؤكد هذه القراءة ما يعمد إليه قيس سعيد خلال توزيع “الكراتين” من “تحريض” على المؤسسات و هو ما ابرزته مستشارته رشيدة النيفر بوضوح حين “بررت” إقدام رئيس الجمهورية على توزيع المساعدات الإجتماعية بعدم ثقته في القائمين عليها و هو كلام “يحرج ” رئيس الجمهورية أكثر مما يخدمه لأن “شبهات الفساد” لا تقاوم إلا بتطبيق القانون و بفرض آليات أكثر قدرة على ضمان الشفافية.
كما أن منطق المؤسسة يفرض على رئيس الجمهورية “تفويض” بعض المهام كتوزيع ” الكراتين ” إلى الجهات المعنية بها في الدولة والتي لها “تقاليد” و “تجربة” في هكذا مهام، وأن ينصرف رئيس البلاد إلى ما هو أهم و احترام ” علوية” مهامه خاصة و أن عالم ما بعد الكورونا سيفرض التفكير في إعادة تموقع تونس على خريطة العلاقات الدولية و إيجاد فرص جديدة للاستثمار و التعاون و الشراكة….
عالم ما بعد الكورونا سيكون عالما شديد المنافسة و لا مكان فيه بكل المقاييس للأنظمة “الكرتونية” في شكلها او في مضمونها…
طراوة الشكل تعكس طراوة في المضمون و لا تمثل عامل اطمئنان على الحاضر فما بالك بالمستقبل.
Comments