قيس سعيد رئيسا .. فشل طبقة سياسية !
هشام الحاجي
باحت صناديق الاقتراع بسرها و اختارت في ما يشبه “الاستفتاء على الشخص” قيس سعيد رئيسا للجمهورية بنسبة غير مسبوقة.
اذا كان من السابق تحديد الاسباب التي ادت الى فوز قيس سعيد فانه من المفيد التوقف عند بعض العوامل التي كانت وراء هذه النتيجة .
لا شك ان “ثورة الصناديق” قد وجهت رسائل واضحة لرجال السياسة و للراي العام الوطني و الدولي .
لقد خطت تونس خطوة اخرى على درب تكريس الانتخاب كأداة وحيدة للتغيير السياسي رغم ما يمكن تقديمه من تحفظات حول الشوائب التي احاطت بالمسار الانتخابي و مثلت مقارنة بالانتخابات السابقة تراجعا لفت انتباه المواطنين و الملاحظين .
لا شك انه لا يمكن الحديث عن نتائج الانتخابات الرئاسية دون التوقف عن “التنميط” الذي ساد الحملة الانتخابية.
استفاد قيس سعيد من فشل الطبقة السياسية على امتداد السنوات الاخيرة في تقديم مؤشرات و لو بسيطة للشباب و للتونسيين حول امكانية تغيير اوضاعهم و خاصة عن مقاومة الفساد و من نفور اغلب التونسيين و التونسيات من الشأن السياسي بعد ان اغرق المال السياسي الفضاء العمومي فقدم نفسه كنموذج مضاد ل”النسق ” و “الماكينات ” و “بارونات الاعلام و الاتصال” ليدعو للعودة الى لحظة “التأسيس الثورية ” التي عاشها الشعب التونسي يوم 14 جانفي 2011 معتبرا انه سيعيد للشعب ارادته التي سرقها السياسيون و انه سيكون “مستمعا جيدا ” لتطلعات الشعب و رغباته مرتديا ثوب “الزاهد ” و صاحب اليد النظيفة .
و حتى نعطي قيس سعيد حقه فانه من المهم الاشارة الى ان ترشحه قد سبقه نشاط دؤوب على امتداد السنوات الاخيرة في الاتصال بالشباب و المواطنين في جل مناطق الجمهورية و انه تمسك برؤية واضحة لم تتغير و لم ينخرط في “مناورات ” السياسيين و حافظ على نمط عيش يجعله “قدوة و نموذجا ” لشباب اعياه البحث عن النموذج علاوة على ان قيس سعيد قد استفاد انتخابيا من عدم مشاركته من خلال حزب سياسي في الانتخابات التشريعية لأنه خاض الاستحقاق الرئاسي متحررا من ضغوط مقايضة المساندة في الدور الثاني بالموقف من تشكيل الحكومة .
اما نبيل القروي فقد ترشح للانتخابات الرئاسية في سياق غير ملائم على المستويين الشخصي و السياسي .
عاش نبيل القروي الوقت الاكبر من الحملة الانتخابية وراء القضبان و هو ما ارهقه بدنيا و ساهم في ترويج صورة نمطية تجعل منه رمزا من رموز “الفساد” و لم يتمكن نبيل القروي من قلب سير الاحداث خلال المناظرة التلفزية التي ظهر فيها بوجه غير مألوف و هو الخبير في الاتصال .
يضاف الى ذلك ان نبيل القروي لم يقدر على ان يظهر كمناهض للنسق و هو الذي لعب دورا في تأسيس حركة “نداء تونس” و تأثر سلبيا بالصورة التي اصبحت لهذه الحركة لدى الراي العام تماما كما تأثر بحرب كسر العظام التي خاضها مع يوسف الشاهد و بالقضية التي رفعتها ضده منظمة “انا يقظ” .
يبدو ايضا ان تأسيس حزب “قلب تونس” لم يفد نبيل القروي اذ جعله في نظر الكثيرين مجرد استعادة لتجارب مألوفة في البحث عن الزعامة و ادخله في منطق مقايضة الدعم في الدور الثاني بالموقف من الحكومة هذا دون ان ننسى ان اجراء الانتخابات التشريعية قبل الانتخابات الرئاسية قد اصاب “ماكينة” قلب تونس حديثة العهد بالتأسيس بشيء من الفتور و التراخي و هو ما انعكس سلبيا على الحملة الانتخابية لنبيل القروي .
كما أن التنميط الذي اعتمد في الانتخابات الرئاسية لا يعني ان المواجهة بين “ملاك ” و “شيطان” بل بين مرشحين ساهم كل واحد منهما في ابراز بعض مظاهر الرثاثة و البؤس في المجتمع التونسي و وظفها لفائدته.
و اذا كان نبيل القروي سيجد نفسه مدعوا لإعادة النظر في دوره و اهدافه و موقعه السياسي و كان عرضة لتصويت “انتقامي ” استهدف الرجل اكثر مما استهدف مشروعه فان قيس سعيد سيكون مدعوا لان يعمل حتى يحول “شعاراته ” و ما يعتبره البعض “طوبى ثورية ” الى واقع و انجاز خاصة و انه قد رفع سقف التوقعات عاليا و انه يدرك قبل غيره ان الشعب لم يعد يتحمل خيبة امل اخرى خاصة و ان نسبة هامة من الذين صوتوا له كانوا في قطيعة مع الشأن السياسي و قاطعوا الانتخابات التشريعية و لكنهم شاركوا في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية تفاعلا مع قيس سعيد و مع خطابه.
هشام الحاجي
Comments