قيس سعيد في ضيافة سيسي مصر .. حسابات الربح والخسارة
قيس سعيد في ضيافة سيسي مصر .. حسابات الربح والخسارة
*** زيارة خارجية لافتة مدارها ليس بعيدا عن الصراع حول السلطة في الداخل
منذر بالضيافي
بحساب الربح والخسارة ، فان الرئيس المصري السيسي رابح اكثر من رئيس تونس قيس سعيد، من زيارة هذا الاخير “الفجائية ” لقاهرة المعز، لكن للرئيس التونسي أيضا حساباته الداخلية، الغير خافية من التنقل لمصر.
فليس لمصر الدولة المركزية سابقا في قلب الامة العربية، وهي التي تراجع دورها واشعاعها عربيا كثيرا بعد كامب دايفيد ( معاهدة التطبيع مع إسرائيل )، ولم تعد القاهرة، كما كانت عليه زمن البطل القومي جمال عبد الناصر ، الشىء المهم الذي يمكن أن تمنحه لتونس، بالمقابل فانها تسفيد من زيارة رئيسها كثيرا، وهو أيضا يسجل نقاط سياسية مهمة في صراعه حول السلطة مع الاسلاميين.
لقد اختارت الخروج من الامة العربية، معتبرة ان ريادتها لامة العرب كانت مكلفة لها خاصة عسكريا، وهنا وقعت القيادة المصرية ، في خطا استراتيجي ، دفعت و ما زالت تدفع ثمنه غاليا.
فقد اثبتت الاحداث ، ان وزن مصر وثقلها كانت تكتسبه من احتضانها لامة العرب ، وهو ما جعل لها موقع استراتيجي في العلاقات الدولية، وفي موازين القوى الاقليمية والدولية، فقدته بعد الاعطاء بظهرها للعرب.
بالعودة لزيارة قيس سعيد لمصر، فان الجانب المصري ومن وراء المبالغة في الحفاوة بالرئيس التونسي، كان يقدر جيدا انه هو كسب عديد العصافير بحجر واحدة من الزيارة.
وهو الذي افتك دعم كامل يرتقي لاعلان “اصطفاف “، من سعيد وراء القضايا المصيرية الاستراتيجية، التي تواجهها ونعني هنا تحديدا حشدها للمعركة مع اثيوبيا.
في صراع حياتي ومصيري للمصريين، فمصر هي “هبة النيل “، كما قال المؤرخ اليوناني هيرودوت ، وبالتالي فان المساندة التونسية، برغم انها تأتي من دولة صغيرة ودبلوماسيتها في أسوأ احوالها، فضلا عن اوضاعها الداخلية الصعبة والمعقدة والمفتوحة على المجهول.
الا انها تعتبر مساندة اكثر من رمزية بل مهمة خصوصا وتونس عضو في مجلس الامن الدولي، الذي قد يكون دوره حاسما اذا ما اختارت مصر سيناريو الحرب في مواجهة اثيوبيا، في معركة المياه .
وذات الموقف “المصطف ” صراحة وراء قضايا وامن مصر ، الذي نطق به سعيد مفيد ايضا في علاقة بالملف الليبي وفي الصراع في شرق المتوسط.
سيكون مهما للرئيس السيسي خاصة في التنافس التركي المصري في ليبيا وفي المتوسط، الذي بدا يعرف فصولا جديدة باتجاه نزع فتيل الصدام والذهاب نحو تسوية، اقدر انها ستكون مفيدة للجانب المصري، وترتقي ربما لاختراق دبلوماسي واستراتيجي مصري يحسب لنظام السيسي.
ولعل اهم ” مغنم” حصده الرئيس السيسي من زميله التونسي، هو فك العزلة عن نظام توجه له اتهامات دولية كبيرة في ملف حقوق الانسان.
يأتي هذا الاعتراف من البلد ” المنشأ ” لثورات الربيع العربي، التي ما زال فيها “الانتقال الديمقراطية” صامدا، برغم حالة الفتور وتراجع الحماية.
من هنا فان تونس قيس سعيد، بهذه الزيارة تكون قد وضعت الربيع العربي الذي توقف في مصر السيسي وراء ظهرها.
ما يجعل المتابعين يرون انه جاري تصفية ارث ثورة الياسمين، وخاصة الفاعل الرءيسي الذي استفاد منها، وطوعها لحساباته التنظيمية والايديولوجية وايضا لصالح محور سياسي تبنى “ثورة الياسمين” واحتضنها، نعني هنا المحور الثلاثي المتكون من قطر وتركيا وجماعة الاخوان المسلمين، فهل حول سعيّد وجهته نحو المحور المنافس لمحور النهضة ، المحور السعودي – الاماراتي – المصري؟
وهل ستشهد تونس بداية ارتفاع منسوب الصراع حول السلطة بين قيس سعيد ومشروعه من جهة و تيار الاسلام السياسي الذي حكم وما يزال البلاد خلال العشرية الماضية من جهة ثانية؟
ولعل السؤال المهم هو التالي: هل يملك قيس سعيد شروط تنفيذ السياسات التي تروق لمصر السيسي في تونس؟
و مثلما نذكر ببديهية ان العلاقات بين الدول تحكمها المصالح لا النوايا الحسنة، والمواقف الداعمة لا تمنح دون مقابل، مقابل اساسه المصلحة الوطنية اولا، كما يمكن ان يكون ريعها لصالح ” مصلحة شخصية”، غير بعيدة عن الصراع حول السلطة في الداخل التونسي، بين قيس سعيّد و ” مشروعه السياسي” من جهة، وحركة النهضة الاسلامية و “مشروعها” من جهة ثانية.
أخيرا، وحول الزيارة، نشير انه لا سبيل ولا مكان لدبلوماسية نشطة ومؤثرة في بيئية داخلية متوترة وغير مستقرة بل متصارعة، هذا فضلا عن انعدام الرؤية والعلاقات العامة والغياب الدبلوماسي عن المشهد الاقليمي و الدولي، هذا ما يفسر تراجع أداء دبلوماسية تونس في “زمن قيس سعيد”، و هو ما برز من خلال زيارة مصر ، التي كشفت نقص الاعداد في مثل هذه الزيارات، التي عادة تسبق بأعمال تمهيدية فضلا عن مشاركة وفد هام يرافق الرئيس، ما جعلها أقرب الى “زيارة سياحية” لا “دبلوماسية”.
Comments