قيس سعيد والأحزاب السياسية: يهمشها في المشاورات .. ويستنجد بها لاسقاط حكومة المشيشي !
هشام الحاجي
يبدو أن مسار ” ابهار العالم ” الذي انطلقت فيه بلادنا منذ سنوات سيتواصل لفترة أخرى رغم أن تكلفته باههضة على الجميع لحد الآن.
ففي خطوة لا يسندها منطق سليم و ساعات قليلة قبل إنطلاق جلسة منح الثقة لحكومة هشام المشيشي ارتأى رئيس الجمهورية قيس سعيد أن يتحرك من أجل حث الأحزاب على عدم منح الثقة لهذه الحكومة التي تحمل ، من باب المفارقات ، إسم حكومة الرئيس.
تحركات قيس سعيد في اللحظات الأخيرة ليست التغير الوحيد في سلوك رئيس الجمهورية بل أنها تكشف عن ” تحول ” يمكن التساؤل حول طبيعته و خلفياته في علاقة رئيس الجمهورية بالأحزاب السياسية.
فقد أقام الرجل كل سياساته و هندسة حكومة هشام المشيشي على أساس استبعاد الأحزاب السياسية و تهميشها بل أن هذه المقاربة تحولت إلى ما يشبه التحريض على الأحزاب و رموزها في إطار الإعداد للانتقال إلى تكريس شعاره الغامض ” الشعب يريد ” .
و يبدو أن قيس سعيد قد أضاف من خلال ” الرضوخ ” للأحزاب السياسية و ” استجداء ” قياداتها تخليا جديدا عن الشعارات التي رفعها في الحملة الانتخابية و أثبت بذلك أن بريق الشعارات يخفي سوء تقدير للواقع و تعقيداته و تغليبا لحسابات غير مفهومة.
حسابات تقوم أساسا على اعتبارات و نوازع ذاتية تجعل الانقلاب في أقل من شهر من ترشيح هشام المشيشي إلى التحريض عليه أمرا يقدم عليه رئيس الجمهورية دون أن يكلف نفسه عناء التساؤل عن تداعياته على صورته و خاصة على الوضع العام.
كما يشير إلى وجود ارتباك مخيف في تسيير وادارة مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تبقى في كل الحالات مؤسسة هامة في النظام السياسي التونسي.
و من هذه الزاوية فإن عدم استجابة الأحزاب السياسية لرغبة رئيس الجمهورية ستعني أساسا “عزله سياسيا” خاصة و أنه لم يقدم لحد الآن من المبادرات ما يجعله رقما مهما و فاعلا في رقعة سياسية متحركة و معقدة.
و قد يكون منح الثقة لحكومة هشام المشيشي بداية انتقال الضغط الى رئيس الجمهورية وبداية استرداد مجلس نواب الشعب لدوره و ” انتصارا معنويا ” هاما لرئيسه راشد الغنوشي و لحليفه نبيل القروي، إذ يعلم الجميع ان التيار لا يمر بينهما من جهة و قيس سعيد من جهة أخرى.
و بحسابات الربح و الخسارة التي لا يمكن تجاهلها في الحياة السياسية تفرض الإشارة إلى أن منح الثقة لحكومة هشام المشيشي يمثل هزيمة و لو محدودة لكل الأحزاب التي “اصطفت ” مؤخرا وراء قيس سعيد و اعتبرته القادر على تطويق حركة النهضة و عزلها و التي يبدو أن الوقت قد حان لتعيد النظر في بعض حساباتها خاصة و أن ما سيعيشه مجلس نواب الشعب غدا سيؤثر على توازناتها الداخلية.
و لا شك أن اقرار منح الثقة لحكومة هشام المشيشي سيضع الجميع أمام خيارين و هما ارتقاء الجميع إلى مستوى لحظة مثقلة برهانات صعبة و تغليب المصلحة العامة أو مزيد الانخراط في متاهة الصراعات الهامشية و الفردية التي قد تغري البعض و تجعلهم أسرى منطق الفعل و رد الفعل.
و لكن لو استمر التوتر والصراع بين القصر والأحزاب والبرلمان فانه ستقود تدريجيا المنظومة السياسية و القانونية و المؤسساتية لما بعد 14 جانفي 2011 إلى نهايتها لأنه حينها ستكون عنوان يكرس “الدولة الفاشلة”، و تفرض نظاما يسير ضد طبيعة الأشياء لأنه لا ينتج إلا الأزمات، في حين أن دور الأنظمة السياسية هو البحث عن الحلول للمشاكل.
Comments