"كان 2019" .. هل يكسب السيسي الرهان ؟
تونس- التونسيون
لم تعد العلاقة بين الرياضة و السياسة في حاجة الى بذل جهد كبير لا ثباتها في ظل تنامي تدخل العوامل السياسية و الاعتبارات الاقتصادية في الحقل الرياضي . و تبدو العلاقة اكثر وضوحا حين يتعلق الامر بكرة القدم و التظاهرات الرياضية الكبرى .
لا شك ان تظاهرة كاس افريقيا للأمم تمثل تجسيدا متميزا لهذه العلاقة . ذلك ان اغلب الانظمة السياسية الافريقية تعتبر كرة القدم مسالة سياسية في كل تفاصيلها علاوة على ان ظهور كاس افريقيا للأمم سنة 1957 قد اندرج في سياق بحث افريقيا التي تخلصت كل اقطارها من الاستعمار عن موقع بين الامم المستقلة و عن مشروعية اضافية للدولة “الوطنية” التي تخلصت من الاستعمار و لكن حافظت في اغلب الاحيان عن الكيانات السياسية التي انشأها و التي حاول اغلبها تجاوز الاعتبارات الاثنية و القبلية في تحديد مجال الدولة المستقلة .
أصبح كاس افريقيا للأمم ثالث تظاهرة رياضية من حيث الاهمية بعد كاس العالم و كأس اوروبا للأمم و هو ما يبرز تحول كرة القدم الى اداة من ادوات عولمة الثقافة و السلوكات . و هذه الاعتبارات كانت حاضرة بكل تأكيد لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين “انقض” على فرصة “نجدة ” الكنفدرالية الافريقية لكرة القدم في الاستعداد لتنظيم كاس افريقيا للأمم في ظرف قياسي من الناحية الزمنية و ذلك لا دراكه ان في رفع التحدي تسويقا لمصر كوجهة سياحية و استتثمارية و لنظامه السياسي المثير لأكثر المواقف تناقضا .
يمكن القول ان عبد الفتاح السيسي قد ربح “الشوط الاول ” من الرهان اذ كانت مصر في مستوى البنية التحتية و جاهزية الملاعب في الموعد و كان حفل الافتتاح مبهرا في مكوناته و في تمحوره حول الحضارة الفرعونية التي تمثل نقطة الجذب الاساسية لمصر في الخارج و التي تثير لدى كل مصري و مصرية الشعور بالنخوة و الاعتزاز .
و ما هو متأكد ان مصر ستسفيد ماديا من تنظيم كاس افريقيا للأمم في ظل ارتفاع عائدات الاشهار و توقعات بيع التذاكر و تمكن مصر من رفع نسبتها في المرابيح . و هناك مردودية غير مباشرة ما دام حفل الافتتاح قد تابعه مباشرة و عبر التلفزة ما لا يقل عن مليار و نصف مليار نسمة .
يندرج “كان مصر 2019” من منظور عبد الفتاح السيسي في سياق مواصلة رسم الصورة التي يريد تكريسها عن عهده بوصفه اعادة بناء لمصر بطريقة لا تخلو من عظمة و موقعة لبلاد الفراعنة بكيفية افضل على المستوى الدولي .
و لكن للميدالية وجهها الثاني و الذي ترتبط بعلاقة عبد الفتاح السيسي بحقوق الانسان و بالمواجهة المفتوحة التي يخوضها مع حركة “الاخوان المسلمين” و التي كان موت محمد مرسي المفاجئ اثناء محاكمته ساعات قبل انطلاق التظاهرة الافريقية احد اهم فصولها .
لم تكن لهذه الوفاة لحد الان تداعيات ذات بال على البطولة و حتى الاعتداء الارهابي الذي استهدف مطار العريش فانه قد وقع تجاوزه بسرعة . و لكن الصورة التي يقدمها عبد الفتاح السيسي ليست ناصعة بالشكل الكافي في ظل ما عمد اليه المشجعون المصريون خلال المقابلة الافتتاحية لمنتخبهم من رفع اسم محمد ابو تريكة في حركة وقع الاتفاق عليها و انجازها للتعبير عن التعاطف مع احد اهم نجوم الكرة المصرية في السنوات الاخيرة و الذي يصر نظام السيسي على ملاحقته و يجبره على العيش في قطر .
و يبدو ايضا ان اشادة محمد صلاح بأبو تريكة عند فوز ليفربول بكاس رابطة الابطال الاوروبية كانت وراء تدخل السلطة السياسية لحرمانه من شارة قيادة منتخب الفراعنة . و هناك ايضا القاء القبض اياما قبل انطلاق “الكان” على ثلاثين عضوا من اعضاء “التراس الاهلي ” المحظورة و التي يعتبرها بعض المتابعين للرياضة المصرية احد ادوات حركة “الاخوان المسلمين” و الذين تنتظرهم احكام قاسية لان النظام المصري يوازي منذ 2012 بين الانتماء للمجموعات الرياضية و الانتماء الى تنظيمات ارهابية .
وهنا أصدرت منظمة “العفو الدولية ” بيانا اعتبرت فيه اعتقال اعضاء “التراس الاهلي” تعديا على الحريات و تضييقا غير مفهوم و طالبت بإطلاق سراحهم في حين اطلق الشباب المصري حملة تضامنية معهم من خلال الترويج لهاشتاغ ” شجع و افتكرهم ” و الذي سيعطي مدى انتشاره مؤشرا على علاقة النظام المصري بالشباب و هو ايضا رهان من رهانات الحاضر و المستقبل.
هشام الحاجي
Comments