الجديد

كتب منذر بالضيافي: المشهد السوري: معقد وغامض .. ومفتوح على المجهول !

منذر بالضيافي

بعد أكثر من ثلاثة اسابيع، على دخول الجماعات المسلحة السورية لدمشق، بقيادة أحمد الشرع الحالي و “الجولاني” سابقا، زعيم “هيئة تحرير الشام” (المصنفة على قائمات الارهاب الدولي )، و سقوط حكم عائلة “آل الأسد”، التي حكمت سوريا نصف قرن، فان السمة الغالبة على المشهد السوري، و برغم مظاهر “الفرح” من سقوط نظام دولة حزب البعث، و برغم تسونامي الزيارت الدبلوماسية المكوكية لدمشق، و تتالي تطمينات “الادارة الجديدة”، فان المشهد السوري الحالي، يغلب عليه حالة مركبة من “الريبة” و “الغموض” و “الخوف من المجهول”، حتى لدى أكثر “المتفهمين” لما حدث، في الثامن من ديسمبر الماضي ( سقوط حكم آل الأسد ).

غموض تبدوا معه كل السيناريوهات المستقبلية واردة وممكنة، بسبب تعقيدات الوضع الداخلي، فضلا عن تحول بلاد الشام الى فضاء مفتوح للصراعات الاقليمية الدولية، وضع ازداد تعقيدا مع وصول “الجولاني” لسدة الحكم،  نجم عنه دخول البلاد  في وضع غامض ومحل ريبة كبيرة، وبرغم كل مظاهر الطمأنة،  التي برزت من خلال رسائل الداخل و الخارج على حد السواء،  فان تخوقات الداخل و ريبة الخارج، مرشحة أكثر للاستمرار في المدى المنظور و القريب وكذلك المتوسط.

برغم “المرونة” التي تعامل بها الساكن الجديد “لقصر الشعب” ( من خلال التصريحات و بربطة العنق و “اللباس الافرنجي”)، برغم تتالي الزيارات الرسمية العربية و الأوروبية و الأمريكية، وخاصة استقبال وفد رسمي من “القيادة السورية” الجديدة في الرياض، فان “التطبيع” مع حكام دمشق الجدد مازال بعيدا، وما زال محل تردد و رفض كبير.

وذلك بسبب “سيرة الجولاني ورفاقه”، المرتبطة بالجماعات الارهابية ( القاعدة و داعش)، وبسبب حالة “الغموض” الكبيرة، التي رافقت “الصعود الصاروخي”، لهذه “الجماعات الجهادية” في طريقها لدمشق، و الاستلاء عليها في عشرة ايام فقط، وهي التي تلاحقها تهم الارهاب، من عواصم العالم الرئيسية، بما في ذلك تلك التي زارت مؤخرا دمشق. وهذا ما يخلف العديد من التساؤلات المشروعة؟

خصوصا، مع تتالي الزيارات لوفود دبلوماسية  دولية، زيارات نقدر أنه – وعلى اهميتها- ، فانه يغلب عليها الطابع “الاستطلاعي”، للتعرف على الأرض على “الحاكم الجديد”، وان أعطت هذه الزيارات – اعلاميا و دبلوماسيا-  البعض من “القبول”  لما حدث و يحدث.

ما حصل لحد الان، من زيارات دبلوماسية، وان كان وازنة دوليا، فانه  يغلب عليها طابع “مد يد”، وهي أيضا “مشروطة” بسياسات و واقع ماثل على الأرض، لا مجرد تطمينات، للحاكم  الوافد على “ادارة” بلاد لشام”.

كما أنها – الزيارات – لا تخلوا أبدا من “دبلوماسية المصلحة” التي تقود الدول، لكن الثابت أنها ليست زيارات “مبايعة” على حكم البلاد، و لا على “القبول” بالأمر الواقع، وهنا نتفهم موقف عديد الدول العربية، خاصة  تلك التي برز  من خلال مواقفها وتحركاتها،  الكثير من التعاطي “الحذر” مع “الحدث السوري”، وخاصة مع  قادة “الادارة الجديدة” للدولة السورية، وهي في ذلك محقة وعلى صواب.

دون الرجم بالغيب، ودون اعطاء “صك على بياض”، لجماعة  “الوافدون الجدد”، نشدد على أن المشهد السوري الحالي، يتصف بكونه “مفتوح على المجهول”، ويختلط فيه صوت العقل بانفعالات العاطفة.

فهو في المستوى العاطفي و الشعبي – سوريا وعربيا و حتى دوليا – ، لا يخفي “الفرح”  بانجلاء و سقوط نظام استبدادي حكم البلاد بالحديد والنار، ومن جهة أخرى وعقلانيا و سياسيا و جيو سياسيا، فهو مبعث على القلق و الخوف و الريبة،  خاصة من  ادخال المنطقة في دوامة من عدم الاستقرار، و”عودة الارهاب “.

تخوفات مشروعة ومتفهمة، من قيام سلطة جديدة في دمشق، تقودها “جماعات مسلحة”، و لها ارتباط “بالإرهاب الجهادي الدولي”، وتنشط تحت ادارتها وفي فضاء بلادها الجغرافي الآلاف من العناصر الارهابية الخطيرة، التي تمثل خطرا على أمن و استقرار العديد من الدول.

هذا فضلا عن كونها “جماعة” اعلنت عن تفردها بالسلطة، و لعل التوصيف الأقرب للواقع، ولما حدث منذ ثلاثة اسابيع، كونها جماعة استولت على السلطة بقوة السلاح، وفرضت “أمر واقع” في الداخل كما في الخارج.

ان النظام  الحالي في سوريا اليوم، تقوده جماعات مسلحة، تاريخها مقترن بالإرهاب، وتفتقد للتجربة في ادارة بلاد في حجم سوريا، و هو ما يجعل كل السيناريوهات واردة و ممكنة، و الثابت ان العودة للاستقرار في بلاد الشام ليست غدا.

خصوصا، وان كل التجارب التي حكمت باسم جماعات الاسلام السياسي – و الاخوان و مشتقاتهم-، كانت فاشلة وخلفت كوارث، ولا يمكن ان تشذ جماعات سوريا المسلحة و المرتبطة  بالإرهاب، و التي استولت على السلطة في دمشق بالقوة، عن مآلات هذه التجارب الكارثية، و التي خلفت انقسامات مجتمعية، و بداية تفكيك للدولة حيثما حلت.

وهذا ما يفسر حالة القلق الكبرى، لا في المنطقة فقط، بل في العالم كله، فالجميع يتعامل بريبة و حذر مع تطورات المشهد السوري، وهذا طبيعي ومطلوب .. برغم تتالي الزيارات الدبلوماسية/ الاستطلاعية !

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP