كتب منذر بالضيافي: مع التحولات .. الثورة الرقمية تعيد تشكيل العالم
منذر بالضيافي
إن فهم التحولات المتسارعة، الجارية اليوم، لا يمكن أن ينفصل عن استيعاب منطق الثورة الرقمية، التي أصبحت تشكل الإطار المرجعي الناظم لصيرورة التغيير العالمي، وستظل الفاعل الرئيسي، في تحديد مستقبل إدارة العالم وتوازناته الجيوسياسية، في العقود القادمة.
مثلما كان متوقعا، فان العالم بصدد التغير وبسرعة كبرى، نحن مقدمون لا على مجرد تغييرات بل تحولات كبرى، ستكون شاملة و جذرية، البارز على السطح يتعلق بالتغييرات في العلاقات الدولية، لكن هناك تغييرات أخرى لا تقل أهمية عن البعد الجيوسياسي، اعني تلك المرتبطة بالتحولات المناخية و الأهم تلك التي هي في علاقة بالقطيعة الابستيمبة ، واعني هنا هيمنة مجتمع الشبكة – الإنترنت- و الذكاء الاصطناعي الذي سيغير نمط الحياة برمتها فضلا عن كونه سيخلق ادارة جديدة للعالم.
تُعد الثورة الرقمية أحد أهم المتغيرات البنيوية التي ستعيد تشكيل النظام العالمي المعاصر، نظرًا لتأثيرها العميق والمركّب في مختلف مناحي الحياة. فليست الرقمنة مجرد تحول تقني، بل تمثل تحوّلاً حضاريًا شاملًا يطال المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.
لقد أصبحت السيطرة على البيانات، والتفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الفائقة، أدوات جديدة لإنتاج القوة والنفوذ، متجاوزة بذلك الأشكال التقليدية للقوة الصلبة.
كما أن الاقتصاد الرقمي، وما يرتبط به من أنماط إنتاج وتبادل افتراضية، قد أعاد صياغة مفاهيم السوق والعمل ورأس المال، مما أدى إلى إعادة توزيع الأدوار بين الفاعلين الدوليين.
وعلى الصعيد الجغراسياسي، تشهد الخارطة العالمية إعادة تموضع لقوى دولية وإقليمية وفق معايير التفوق التكنولوجي والقدرة على التأثير في الفضاء السيبراني.
إن فهم التحولات الجارية اليوم لا يمكن أن ينفصل عن استيعاب منطق الثورة الرقمية التي باتت تشكل الإطار المرجعي الناظم لصيرورة التغيير العالمي، وستظل الفاعل الرئيسي في تحديد مستقبل إدارة العالم وتوازناته الجيوسياسية في العقود القادمة.
كما ستفرض على المستوى السياسي، تحولات لافتة في العلاقة بين المجتمع و الدولة، و يتوقع ان يعرف الحقل السياسي تغييرات، من ذلك تراجع مؤسسة الحزب التقليدي لصالح بروز الشخص / الفاعل والمتحرر من بيروقراطية التنظيمات التقليدية- الأحزاب ، المنظمات والمجتمع المدني …-.
هذا الوضع الجديد سيُفضي إلى ولادة نمط إدارة كونية جديدة، ستفرض – دون استئذان – تحولاً عميقاً في العلاقة بين الدولة والمجتمع.
فالنموذج التقليدي للدولة القومية، بما فيها مؤسساتها وأجهزتها، يبدو عاجزاً عن مواكبة هذه التحولات، كما أن الحقل السياسي لن يبقى بمنأى عن التغيير، إذ من المتوقع أن تتراجع مؤسسة الحزب التقليدي لصالح بروز الفاعل الفردي، الذي هو في حالة تحرر من بيروقراطية التنظيمات السياسية الكلاسيكية، ويعتمد أكثر على أدوات العصر الرقمي في التأثير والتواصل وصنع القرار.
ما عرضته ليس مجرد رصد للتغيرات، بل هو وعي ببنية تاريخية جديدة تتشكل أمام أعيننا، وليست مجرد أدوات تقنية.
و بالمناسبة نشدد على أن التغيير سنة كونية وضرورة إنسانية، وهو عند الأمم المتحفزة و الحية “فرصة” لا “مأزق”.
Comments