الجديد

كتب منذر بالضيافي: هل يطوي الهجوم الإسرائيلي صفحة “الدور الوظيفي” لقطر؟

منذر بالضيافي

هل ان الضوء الأخضر الأمريكي الذي حصلت عليه تل ابيب لضرب قيادة ح م ا س في قلب الدوحة، هو مؤشر على تراجع الحصانة الأمنية و السياسية التي كانت تتمتع بها الإمارة الصغيرة و الغنية ؟

حصانة قد يقوضها الهجوم الاسرائيلي، حصانة سبق و ان تحصلت عليها الدوحة، بفضل فاعلية “قوتها الناعمة” ممثلة أساسا في شبكة الجزيرة، ودورها الوظيفي  ترجم من خلال منحها مهام تفاوضية و وساطات في ملفات هامة على غرار غزة و افغانستان و السودان …، فضلا عن “المكانة” و الحظوة التي سبق و ان أعطاها لها حراك “الربيع العربي”، الذي لعب فيه الاسلاميون – جماعة الاخوان وتنظيمها الدولي دورا  رئيسيا- تحت رعاية الدوحة، التي برزت حينها  كأبرز الفاعلين و المهندسين، وهو دور جلب لها متاعب حمة مع محيطها الخليجي، قبل ان يأفل “الربيع”.

ليبدأ معه مسلسل التراجع القطري، في تزامن مع تمدد مسار التطبيع الخليجي، ضمن ما يعرف ب “اتفاقات ابراهام”، التي استعادت عافيها مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض. تحرك جيوسياسي تم بزعامة اماراتية و بقبول سعودي مشروط، أضعف دور ومكانة قطر في الإقليم.

يذكر ان دولة قطر، قد نجحت بفضل قوتها الناعمة و التفاوضية، في إنجاز “عملية  تشبيك” و “تحالفات” وازنة مكنتها من “حصانة أمنية”، و لعل أهمها مع الولايات المتحدة الأمريكية – استضافة أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة و حليف استراتيجي من خارج الناتو-.

كما مكنت حملة العلاقات العامة الدولية، التي توجت بتنظيم الامارة لإحداثيات مهائي كأس العالم لكرة القدم، مكنت الدوحة من تجاوز الحصار الذي فرضته عليها السعودية و الإمارات، بسبب دعمها ل “ربيع الاخوان”، عادت بضمانة سعودية في قمة العلا – 2021 – مرة أخرى للبيت الخليجي، و رغم عودة قطر إلى “البيت الخليجي”، فإن العلاقات لم تعد إلى سابق عهدها:  فالسعودية لا تزال تتعامل بتحفظ، الإمارات تواصل اللعب في مساحات كانت قطر تتفرد بها سابقًا،  والتطبيع الخليجي مع إسرائيل يتسع.

” يذكر ان دولة قطر، قد نجحت بفضل قوتها الناعمة و التفاوضية، في إنجاز “عملية  تشبيك” و “تحالفات” وازنة مكنتها من “حصانة أمنية”، و لعل أهمها مع الولايات المتحدة الأمريكية – استضافة أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة و حليف استراتيجي من خارج الناتو-. “

لكن مع ذلك استمر دورها الوظيفي، وان بأقل بهرجة مما كان عليه قبل الأزمة مع محيطها الخليجي، خاصة في التفاوض و الوساطات بين حماس و اسرائيل، فضلا عن تواصل تثمين القوة الناعمة للإمارة ممثلة في شبكة الجزيرة، التي هي بدورها بدأت “الهالة الأولى” التي رافقتها لسنوات، بسب المنافسة الخليجية، وغياب الموضوعية والحيادية في تغطيتها لتصبح “منصة” للبلد المضيف، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت كثيرا في توسع جماهريتها، بعد أن تحولت الى المصدر الأساسي للخبر والتحليل ايضا، أصبح معه المتلقي “مشارك و “متفاعل” مع المادة الخبرية لا مجرد مستهلك لها فقط.

نعود لمحاولة تفكيك تداعيات الهجوم الاسرائيلي، في علاقة بمستقبل الإمارة الصغيرة و الغنية، فهل ان الهجوم الاسرائيلي الذي استهدف – الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 – قادة حماس في قلب الدوحة، سيضعف ويربك سياسات وخطط الامارة و المكانة التي حظيت بها .؟

قبل أن ينقشع غبار الغارات التي استهدفت قيادات حماس في الدوحة، ليس هناك مبالغة أو تسرع بالقول، بأن ما حدث مثل لحظة فارقة سيكون لها ما بعدها، فما حدث ليس مجرد خرق أمني، بل هو تحدٍّ مباشر لمفهوم “الحياد النشط” الذي اعتمدته قطر لعقود. ومهما كان الرد القطري، فإنه سيعيد تشكيل معادلة حضورها في المنطقة وفي العلاقات الدولية التي تعرف بكونها شديدة التحول بسرعة يصعب معها رسم سيناريوهات نهائية.

ما حدث، يشير إلى ان الإمارة قد تلقت ضربة موجعة، وتحديدا للدور الوظيفي الذي لعبته، و أعطاها “حصانة أمنية وسياسية”، و مكنها من التموقع في محيطها الإقليمي و في الجيو بوليتيك الدولي، و وفر لها “حصانة” قد تصبح محل مراجعة؟  

فهل تملك الإمارة الصغيرة القدرة على امتصاص الضربة، وإعادة التموقع من جديد؟ أم أننا نشهد بداية أفول دورها الوظيفي، في ظل نظام إقليمي جديد لا يعترف بكثير من “الحصانات الرمزية”؟ وما مستقبل فاعلية قوتها الناعمة – قناة الجزيرة؟ وكيف سيكون موقعها في محيطها الخليجي؟ و هل ستكون قادرة على اعادة بناء دورها الوظيفي و اختيار نهج تراجع تكتيكي لامتصاص ما حصل و التقليل من تداعياته؟

” ما حدث مثل لحظة فارقة سيكون لها ما بعدها، فما حدث ليس مجرد خرق أمني، بل هو تحدٍّ مباشر لمفهوم “الحياد النشط” الذي اعتمدته قطر لعقود. ومهما كان الرد القطري، فإنه سيعيد تشكيل معادلة حضورها في المنطقة وفي العلاقات الدولية التي تعرف بكونها شديدة التحول بسرعة يصعب معها رسم سيناريوهات نهائية. “

أي تعثر قطري جديد، قد يعيد فتح الباب أمام محاولات تهميشها خاصة في محيطها الخليجي، ولكن هذه المرة بأدوات أكثر نعومة، لا تحتاج إلى حصار بل إلى عزل وظيفي واستبدالها كلاعب ثانوي في معادلة أكبر.

قادم الأشهر سيمكن من تقديم أجوبة على هذه الأسئلة التي تُطرح اليوم، والتي  لن يُجاب عنها فورًا، لكن المؤكد أن الدوحة ستدخل في مرحلة إعادة تقييم ذاتي، وقد نشهد في الأشهر المقبلة تغييرات تكتيكية مهمة في خطابها، تحالفاتها، وربما حتى في طموحاتها الجيوسياسية.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [ View all posts ]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Go to TOP