كسر الثنائية المعوّقة: الاسلاميون والآخرون؟
خالد شوكات
لن نعبر إلى التنمية مثلما هو مطلوب منّا إذا لم نتعاون على كسر هذه الثنائية الشيطانية المعوّقة، التي كلّما قطعنا لها جذعاً استنبت لها بعضهم جذعاً جديدا، فالتونسيون يجب ان يغادروا مجال تقسيمهم الراهن: “اسلاميون وغير اسلاميين”، “نهضويون وبورقيبيون”، “اخوان ووطنيون”، “رجعيون وحداثيون”..
تقسيمهم على قاعدة الصراع الايديولوجي القائم على التخوين والتكفير، والداعي الى النفي والاقصاء، والمبشّر بالسجون والموت، وان كان لا بد من تقسيم فعليه ان يكون على قاعدة “النسبية” لا “الإطلاقية”، ولتعزيز “التنافس البرامجي” و”التباري التنموي” لا العبث الايديولوجي.. علينا الكفّ عن المزايدات في المشتركات والجوامع.. جميعنا نحب الوطن، والإسلام جامع للامة لا مفرق لها..
جميعنا يتطلع الى تقدم البلاد وازدهارها.. وفي وطننا مكان للجميع. لقد ورثنا الصراعات الأيديولوجية عن الحقب الماضية، وجل “شقوفاتنا/تنظيماتنا السياسية والحزبية” (جمع شقف كما يقول الزعيم النقابي الحبيب عاشور رحمه الله) موروثة من القرن الماضي، ولا تتلاءم مع طبيعة النظام الديمقراطي الذي نحن فيه، ولهذا نحن مطالبون بتوقيع مراجعات عميقة في الشكل والمضمون.
وَكما هو مطلوب منا تجاوز القوالب الأيديولوجية والفكرية والسياسية التي علقت بعقولنا من القرن العشرين، فان المطلوب ايضا تطوير تنظيماتنا السياسية لتواكب روح العصر، ولكي تجسّد على الارض مشاريعنا الجديدة، العاملة على تقديم البرامج التنموية لا الغرق في الجدالات الأيديولوجية والعقائدية. انقسامنا الجديد يجب ان يعكس المضامين التنموية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية، فالتونسيون مدعوون ليكونوا محافظين وتقدميين وليبراليين واجتماعيين، او ليكونوا تيارات جديدة توفيقية بين عناصر التنمية المطلوبة، وبعبارة اخرى على التونسيين ان يتابعوا من نخبهم مناظرات حول التربية والتعليم والتشغيل والبنى التحتية والمناويل التنموية والانفتاح والتعاون الاقليمي والدولي..
مناظرات حول الفلاحة والصناعة والتصدير والاستثمار والعدالة الجبائية والسياسات الضريبية. والرأي ان تواكب القوانين الاساسية ذات الصلة وتيرة التغيير السياسي المطلوب، فالقانون الانتخابي الحالي مثلا يشجع على اعادة انتاج الاستقطاب الثنائي الجهنّمي، ولهذا لا بد من قانون انتخابي جديد يشجّع على ولادة “جبهات سياسية” للحكم وللمعارضة، “ما قبلية” للانتخابات لا “ما بعدية”، وان تتأسس هذه الجبهات على قاعدة “برامجية” لا قاعدة “ايديولوجية”.
كما أشرنا، فتونس بحاجة مثلا الى “جبهة وطنية اصلاحية ليبرالية اجتماعية محافظة” تساعد القوى المنخرطة فيها على تحقيق جملة من الأهداف التاريخية في ضربة واحدة، من قبيل تجاوز الثنائية اللعينة واعادة بناء العلاقة بين الوطن والدين واستكمال المصالحة الوطنية وحماية مسار الانتقال الديمقراطية وانجاز الاستقرار السياسي والاهم إقامة ائتلاف للحكم قادر على تحقيق حلم الإقلاع التنموي.
ان التشبّث بالقوالب التنظيمية القديمة، والاطروحات العقائدية المغلقة، تماما كالتمسك بالصراع الثنائي القاتل، واختيار مسار لولبي للتاريخ المعاصر بإصرار البعض على العودة الى ذات النقطة المفصلية كلّما هممنا بمغادرتها، قد يفضي بِنَا الى خسارة هذه التجربة الفريدة في العالم العربي، وهو ما قد نعض عليه أصابعنا ندماً، حين لا ينفع الندم. علينا ان نتسلح بالشجاعة الفكرية والسياسية اللازمة، وبروح التجديد المزروعة فينا منذ العلّامة ابن خلدون على الاقل، و ان نقدم على اتخاذ خطوات تجديدية جريئة في هذا الاتجاه التقدمي، وان نفوت الفرصة على مشاريع الفاشية المتربصة والشعبوية التافهة المقيتة، بإعادة بناء الذات على نحو سليم، حفاظا على الديمقراطية وسعيا للتقدم.
Comments