كلفة الشعبوية!؟
خالد شوكات
كلّ ما فعله أنصار الرئيس المهزوم دونالد ترامب البارحة باقتحام مبنى الكونغرس، مدفوعين بتحريض زعيمهم لتعطيل جلسة مصادقة مجلسي النواب والشيوخ على نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو امر يحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة احدى اعرق الديمقراطيات في العالم، أنّهم أثبتوا أن “كلفة” الشعبوية الباهضة على الشعوب تتجاوز كل تقدير مسبق، من جهة نزعتها التخريبية المريعة أوّلاً، واستعدادها لتدمير الاجمل والأرقى في حياتنا ثانياً، فبعد أن تنجلي الحقيقة وتبدو أكاذيب الزعيم الشعبوي واضحة للعيان، والأوهام التي باعها للمغفلين من بعض أبناء شعبه لا شبهة فيها، يظهر الوجه البشع الأكثر قتامة وإجراما، ألا وهو الهروب الى الامام بدل الاعتراف بالهزيمة، والاصرار على المجازفة بأقدس المصالح العليا للامة عِوَض السعي الى التخفيف من الخسارة والكف عن إلحاق الأذى بهذه المصالح.
ولكن الدرس الامريكي للديمقراطيات في كل مكان، ليس في الطريقة الديمقراطية التي تصرفت بها السلطات في العاصمة واشنطن مع المتظاهرين المسعورين فحسب، من حيث الحرص على احترام الحقوق والحريات حتى في اصعب اللحظات التي يمر بها الأمن العام الى درجة السماح باقتحام اكثر المباني العامة قداسة، مبنى الكابيتول ذي الرمزية العالية، بل كذلك من حيث اصرار النخبة السياسية على الانتصار لقيم الديمقراطية ومضي اعضاء الكونغرس من الحزبين بعزيمة في المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية في موعدها رغم الظروف الاستثنائية التي فرضها اقتحام المتظاهرين.
ان صفحة الرئيس الشعبوي ترامب ستُطوى خلال ايام بلا شك، ولكن صفّارة الانذار التي اطلقتها حيال “التهديد الشعبوي” للديمقراطية قد دوَّت عاليا، تستنهض همم الديمقراطيين في الوسطين الفكري والسياسي معاً، لأخذ الظاهرة بكل جدية وعدم الاستهانة بمخاطرها وإيجاد الحلول اللازمة والتعاون على تنزيلها، فاذا ما كان الامر بهذه الخطورة على ديمقراطية قوية وراسخة مثل الديمقراطية الامريكية، فما بمقدور الديمقراطيات الناشئة كديمقراطيتنا التونسية أن تفعل يا ترى وهي تواجه التهديد نفسه وأعتى؟
Comments