كلّما حاولنا الإفلات من مربّع "الأيديولوجيا" أعادونا إليه
بقلم: خالد شوكات
كانت نقاشات “الهوية” و”الأيديولوجيا” حتى المصادقة على الدستور تعدّ طبيعية في مسار انتقال ديمقراطي صعب ومحفوف بالمخاطر من كل حدب وصوب، فهذا المسار عادة ما يكون طبيعيا ان كان بمثابة خط متعاقب الخطوة، الخطوة الثانية فيه تختلف عن الاولى، والثالثة عن الثانية، وهكذا دواليك، أمّا اذا تحوّل الخط الى دائرة، نعود معها كل مرّة الى ذات المربّع، فإن ذلك سيؤشّر الى اننا في ورطة حقيقية، وأننا قد ننهي تجربتنا الرائدة والنموذجية – اقليميا على الأقل- في كل حين ولحظة.
وأسهل الكلام كما نعرف، هو ذلك الذي يجري حول الهوية، وأيسره هو ذاك الذي تهيمن عليه خطابات “التخوين” و”التكفير” والمزايدات حول ما يعد عند أغلبية المجتمع ثوابت مشتركة، ولعل البعض يهوّن من هذا الامر، لكن مخاطره ليست هيّنة، ومثلما سبق لنا التحذير، فان كثيرا من الشعوب والأمم عاشت حروباً أهلية طاحنة دون ان تكون ذات طبيعية طائفية، فالانقسام “الهووي” و”الايديولوجي” يمكن ان يقود بلدانا الى ما لا يحمد عقباه، وهكذا نرى في خطابي “الدستوري الحر” و”ائتلاف الكرامة” ما قد يفضي الى ما هو ألعن من “خطاب السموم” الذي يشنّفون به آذاننا، خصوصا اذا ما توفرت بيئة داخلية (الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة) وبيئة خارجية (التحفيز الاقليمي والشحن الدولي) ملائمتين لما هو أعنف وأقسى.
كنّا نتوقع ان نمر بعد تجربة “المجلس الوطني التأسيسي” و “مجلس نوّاب الشعب التوافقي” إلى ما هو أنفع للتونسيين ومسار انتقالهم الديمقراطي، والى ما يجعل الديمقراطية الناشئة قادرة على انتاج التنمية، والى ما يخرج الأحزاب من دائرة “الأيديولوجيا” العقيمة إلى دائرة “البرامج” مفيدة، ومن مربّع الصراع العدمي المفرّق الى مربّع المشروع الحضاري الوطني الجامع، ومن حالة كابوس التخلّف الى حالة حلم التقدم، فإذا بِنَا نعود الى اجواء “المراهقة السياسية” و”التحريض العنصري” وتبديد الزمن الوطني في عنتريات بائسة ومزايدات عقيمة وخطابات الحقد والكراهية والعنف اللفظي، وبدل ان تشرئب اعناق التونسيين نحو “توين تاور كوالالمبور” تشرئب اعناقهم اليوم نحو مجازر “الهوتو والتوتسي”
علينا ان نتوقف جميعا عن استمراء الخطابات المنحطة وضجيج الصراعات غير ذات الجدوى، وان نطلق معاً صفّارات الانذار المدوّية، وان نتوقف عن ايذاء انفسنا بايدينا، فعلى هذه الارض ما يستحق الأمل والعمل، ويستحق توظيف جهودنا في عمران ارضنا وبناء وطننا، وليكن بيننا ميثاق غليظ ان نقول خيرا او لنصمت.. ولننظف عقولنا ونطهّر ألسنتنا ونكفّ جميعا عن توجيه السباب والشتائم لبعضنا البعض، فالخطوة الجديدة التي يجب ان نخطوها خلال السنوات الخمس القادمة وما بعدها، عنوانها “التنمية” اما الأيديولوجيا فلتكن عمل المفكرين والمثقفين كتبا ومؤلفات وكلمات، لا رصاصات.
Comments