كيف نجمع بين التشاركية والتنافسية واللامركزية؟
خالد شوكات
عدت من مدينة الحمّامات اليوم بعد أن ساهمت في الندوة الفكرية المصغّرة التي نظمها المعهد العربي للديمقراطية نهاية هذا الاسبوع حول “الشباب والمشاركة السياسية” بحضور عدد من الشخصيات السياسية ونخبة من الشبان والشابات جاءوا من مختلف أنحاء البلاد، وقد تضمنت الندوة عدة لقاءات حوارية وورشات عمل ذات صلة بالموضوع المطروح من زاويتين، الديمقراطية والتنمية. هذه الندوة تندرج ضمن مشروع “أكاديمية الدولة المدنية:فرسان التغيير الديمقراطي”، في موسمه الرابع، وهو مشروع في التثقيف السياسي للشباب يهدف الى المساهمة في تشبيب النخبة السياسية من خلال الدفع بجيل جديد من القيادات الشابّة الحاملة لمفاهيم مغايرة والتي يراد لها ان تعتمد وسائل عمل جديدة وتدافع عن مصالح عليا لا مصالح فئوية ضيقة.
لقائي بالشباب ونقاشي معهم، يشعرني بأنّني في ذهبت في سفر ممتع إلى المستقبل، أتجاوز معه حدود الجغرافيا الراهنة الى آفاق جديدة، والزمن الحالي الى نظرة تاريخية أعمق وأوسع واكثر إنسانية، وإكراهات المشهد الراهن ونقاشاته “المستنقعية” إلى حوارات راقية واستراتيجية، فالشباب هم موضوع مستقبلي بامتياز وهم افضل من بمقدوره ان يفتح أبواب الامل ونوافذه، ولهذا يجب ان نساعده على المضي في سبيل التجديد ومسايرة العصر وان نحفزه على كسر الأغلال والصعود الى فوهة الكهف حيث بمقدوره النظر الى الحقيقة لا الاكتفاء بظلالها وأوهامها.
العمل مع الشباب هو خيار الحراثة في أرض المستقبل، أرض جديدة صعبة لانها لم تجهز للزراعة ربما، لكنها ارض واعدة خصبة ما تزال تمتلك كل طاقتها، وقادرة على مفاجأة المعنيين بإنتاج أفضل الخيرات واجودها، لم تستنزف بعد بالأسمدة الكيمياوية وكثرة الاستعمال والتداول، هي ارض “زعفران” مثلما يقول عنها الشعراء المتصوفة في ايران، وهي ارض مؤهلة لاستقبال انواع الزراعة العصرية البيولوجية التي تتفق مع المعايير العالمية.
ثمّةَ قضايا وإشكاليات لا يطيقها المشهد الحالي بل لا يحتمل طبيعتها ونسقها، على الرغم من ضرورتها، اذ هو مشهد غارق في التفاصيل اليومية يلاحق الحرائق الصغيرة التي ما ان ينطفئ احدها حتى يندلع اخر، حتى انقطع النفس وجفّ الحلق وبَطُلَ العقل، ولم يعد ثمّةَ متّسع للنظر في كل ما هو استراتيجي وجدّي وعميق، يمكن هذه التجربة الديمقراطية من القطع مع الرداءة والتفاهة والاجابة عن أسئلة التنمية المستدامة في ابعادها المتعددة.
هناك ثلاثة مسارات في حواري مع الشباب من فرسان التغيير الديمقراطي، خرّيجي أكاديمية الدولة المدنية، احرص على التقدم فيها، أوّلها كيف يمكن ان نجعل من هذه الديمقراطية الناشئة “ديمقراطية تشاركية” مقنعة لأكبر قدر ممكن من المواطنين، فالديمقراطية النيابية اصبحت عبئا حقيقيا ومصدر تهديد لاستمرارية النظام الديمقراطية، ولا بد من ضخ مزيد من تقنيات واليات الديمقراطية المباشرة في هذا الجسد الديمقراطي المترهل الذي زادته ألاعيب النهب الرديئة ترهلا، وعلى رأس هذه التقنيات “التشاركية” التي اصبحت مبدأ معتمدا في جل الدساتير المعاصرة ومن بينها دستور الجمهورية التونسية الثانية، والتي صار تفعيلها ممكنا بفضل الثورة الاتصالية والامكانيات التي توفرها التكنولوجيات الجديدة، وهي مبدأ في تسيير مؤسسات الحكم والجماعات المحلّية فضلا عن الاحزاب والتنظيمات السياسية، وسيكون خلال السنوات القادمة ضرورة من ضرورات البناء والاجتماع السياسي.
ثاني المسارات، هو التنافسية الاقتصادية وروح المبادرة في مجال الاعمال وهي ثقافة جديدة علينا العمل مع الشباب على إحلالها، اذا كانت ثمّةَ نية طبعاً لتجديد دماء الدورة الاقتصادية وخلق آفاق واعدة للتنمية في المناطق الداخلية الواعدة فضلا عن المناطق المحظوظة التي يجب ان ينمو إسهامها في الناتج الوطني الخام، فبلادنا مدعوة لكسر تقليد التراخيص المسبقة وتحرير العملية الاقتصادية على اساس تنافسية عادلة بما يسمح بتنمية الثروة الوطنية واعادة توزيعها على نحو عادل ومستدام.
أما المسار الثالث الذي نثيره في حواراتنا مع الشباب فهو المتعلق باللامركزية وهي مستقبل الوطن ومستقبل البشرية حيث يقول المفكر الامريكي من أصل روسي بوشكين (اب اليسار الأخضر) انه سيدرك في “البلدية الديمقراطية الخضراء”، ولهذا تبدو الجماعات المحلّية مسالة في غاية الحيوية وهي منطلق البناء الجديد الذي على الشباب التونسي ان يشمر سواعد الجد ليقيمه ويعلّيه.
Comments