لا حلّ خارج التوافق الواسع والتنازل المتبادل
كتب خالد الحداد
تعليقا على أزمة التشكيل الحكومي، كتب الاعلامي خالد الحداد، في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تدوينة تحت عنوان: “لا حلّ خارج التوافق الواسع والتنازل المتبادل”.. في ما يلي نص التدوينة:
برغم التطوّرات التي عرفها مسار تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ خلال الساعات الأخيرة من يوم أمس، فإنّ الأمل ما يزال قائما في أن تعمل مختلف الأطراف على تعديل بوصلة خياراتها والاتجاه إلى تنازلات متبادلة تصلُ بالجميع إلى منطقة إلتقاء تستجيب إلى التحديات الوطنيّة الراهنة.
لقد جليّا أنّ مسار تشكيل الحكومة قد شهد الكثير من مظاهر العناد والمكابرة وعرفت محطاته العديد من الإخلالات المنهجيّة والمضمونيّة عسّرت حصول الاتفاقات اللازمة لبناء حكومة بحزام سياسي قوي قادرة على الفعل والإنجاز وتقطع مع حالة الغموض والريبة التي دخلتها البلاد منذ مرحلة ما بعد الانتخابات الأخيرة.
الواضح الآن، أنّ إلياس الفخفاخ المكلف بتشكيل الحكومة قد استنسخ تجربة سلفه الحبيب الجملي عندما أحاط نفسه بدائرة استشاريّة ضعيفة ديدنها المناورة والمغالطة ونكران معطيات الواقع والبحث عن التموقع، تمامًا كما أنّه اعتمد منهجية التفاوض مع الأشخاص والكيانات الضعيفة واختراق الأحزاب والكتل البرلمانيّة ومحاولة فرض الأمر الواقع نتيجة توهّم لفرضيّة رفض الجميع خيار حل مجلس نواب الشعب وإعادة الانتخابات.
كما أنّ الكثير من المؤشرات تحمّل رئيس الجمهورية جزءا من المسؤوليّة في ما يحصل الآن، والخوف كلّ الخوف من أن يكون تكليف الفخفاخ يحملُ نوايا الإفشال منذ البداية مثلما قد يعكس ذلك منهج التقسيم المعتمد في تشكيل الحكومة والحديث مبكرًا جدا عن قوى ثوريّة ساندت الرئيس وأخرى غير ثوريّة لا تدعمه.
فقد حملت حكومة الفخفاخ منذ انطلاقها تسمية “حكومة الرئيس” وحملت أيضا بذور فشلها، وهي تكاد تكون الآن كذلك برغم الادعاء بأنّها حكومة من سيدعمها في البرلمان، والخطير الحديث المتواتر عن تدخل محيط الرئيس قيس سعيّد للضغط على الفخفاخ وتضييق الخناق من حوله أوّلا من خلال الاستعجال وثانيًا من خلال التدخّل لفرض أسماء بعينها على غرار المستشار القانوني في قصر قرطاج أو رفض أخرى على غرار ما حدث مع القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون.
وما من شكّ فإنّ الأحزاب لم تُساعد لا على كشف ما قد يكون أحاط بمسار تشكيل الحكومة من نوايا سيّئة ومناورات خبيثة للإرباك والتشويش، ولا في توفير مساحات تحرّك إضافية أمام رئيس الحكومة المكلّف بما وضعهُ في موضعٍ لا يُحسد عليه أينما ولّى خياره لقي الاعتراض.
إنهاء سلوك المراهقة السياسيّة والتذاكي وتغليب المصلحة العليا للبلاد بتحكيم العقل وحسن تقدير الموقف بموضوعيّة وانّزان، وبتجنيب الحياة الوطنية المزيد من الغموض والضبابيّة، يجب أنّ تكون منهجية وسلوك الجميع لتفادي المطبات الصعبة خاصة في ظل واقع اجتماعي واقتصادي صعب وظرف إقليمي لا يخلو من مخاطر هو أيضا.
لا حلّ خارج التوافقات الواسعة والتنازلات المتبادلة والوقوف جميعًا صفًا واحدًا وفي وحدة وطنيّة، لا إقصاء فيها إلاّ لمن أقصى نفسه، لإنقاذ الوضع من المآلات التي قد تتدحرجُ نحوها البلاد في غفلة من الجميع.
الآجال الدستورية أمام إلياس الفخفاخ لم تنته وحل البرلمان لا يمكن أن يكون قبل 15 مارس القادم، والتجربة أثبتت أنّ التونسيّين مع كلّ بداية منحدر خطير يستفيقون ويرفضون الذهاب إلى المجهول.
خالد الحدّاد
Comments