لماذا لم يصنّف الرئيس بن علي حركة النهضة ارهابية؟
خالد شوكات
كان الرئيس زين العابدين بن علي رحمه الله يشعر خلال سنواته الاخيرة بأن شيئا ما يطبخ له، وان تغييرات ما يجب ان تحدث حتى يتفادى الأسوأ، خصوصا إيجاد حلول لملفات حارقة مطروحة منذ سنوات من قبيل ملف الحركة الاسلامية، وقد حاول حسب ما علمت منذ ذلك الزمن التقدّم في اتجاه حل ينهي خصومة مفتوحة دامت قرابة عقدين، لكنَّ طرفين في محيطه لم يكونا متحمّسين لذلك، بعض الحرس القديم من مستشاريه من جماعة “خلّي هكاكا”، وبعض قيادات المؤسسة الأمنية التي كانت خائفة في تقديري من أي مصالحة ممكنة بين الرئيس وخصومه الاشرس، بالنظر الى إمكانية متابعتهم في قضايا ذات صلة بحقوق الانسان.
لو لم يجد الزين هذين المعوقين ربما لاستدرك من أمره ما استدرك، ولكان سار في طريق مصالحة الإسلاميين فخصومته معهم لم تكن “ايديولوجية” بل كانت خصومة حول الحكم والسلطة بامتياز، ولربما لو تحقق ذلك لكانت تونس وفَّرت على نفسها الكثير من المتاعب والخسائر والتضحيات، ولكان الاصلاح قد جرى من داخل النظام، وهو الخيار الاسلم كما كنت ارى وما ازال.
ان الاطروحة التي تتبناها عبير موسي، والتي يظن ظاهريا انها مستمدة من سيرة الرئيس بن علي، لا صلة لها في رأيي بالرجل أو بفكر العائلة الدستورية على مر تاريخها الممتد على مائة عام. يكفي التذكير بان الشيخ عبد العزيز الثعالبي المؤسس الاول كان رجلا جامعا في فكره بين بعدي الدين والوطن، وان الزعيم الحبيب بورقيبة المؤسس الثاني كان على صلة معروفة بجماعة الاخوان المسلمين، وانه تشفّع حتى لا يعدم السيد قطب، وانه شجَّع ولو بشكل غير مباشر على ظهور الجماعة الاسلامية في السبعينيات، وانه لم يدخل في مواجهة مع الإسلاميين الا عندما تبيّن له في الثمانينات انهم ينازعونه الملك.
اما في زمن الرئيس بن علي، فقد كانت بدايته مع الإسلاميين وديعة، حتى انه كان مرشحهم للانتخابات الرئاسية سنة 1989، قبل ان تنقلب الامور منذ 1991 الى علاقة متوترة وصدامية، وعلى الرغم من هذا التوتر والصدام فان الامر لم يبلغ درجة اقدام النظام على تصنيف حركة النهضة ارهابية او حتى تصنيف الاخوان المسلمين في مصر باعتبارهم الحركة الام تنظيما ارهابيا.
وفي زمن الرئيس بن علي، علينا ان لا ننسى ان الشيخ يوسف القرضاوي أستضيف في تونس بشكل رسمي، وان الشيخ محفوظ النحناح رحمه الله كان يستقبل من قبل الرئيس في قصر قرطاج، وان التجمع الدستوري الديمقراطي ارسل من يمثله في مؤتمرات حزب العدالة والتنمية سواء في تركيا او المغرب.
وان ما يزيد عن ثلاثين الفاء من اعضاء حركة النهضة عرضوا على القضاء التونسي حضوريا او غيابيا ولم توجه لأي واحد منهم تهمة الانتماء لجماعات ارهابية.
علينا ان نتذكر ايضا ان الاخوان المسلمين كانوا ممثلين في البرلمان المصري طيلة عهد الرئيس مبارك وانه لم يسبق للنظام المصري ان صنّف الاخوان المسلمين جماعة ارهابية، وان الاخوان بدورهم لم يعلنوا منذ تأسست الحركة سنة 1927 العنف او الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافهم المعلنة، سواء الدينية او السياسية، وان سبب الانشقاق عليهم كان غالبا بسبب إصرارهم على الطابع السلمي للجماعة، وليس من المنطق او العدل ادانة الاخوان بمنهج من انشق عنهم لاجل ممارسة العنف والارهاب.
كان يدان الشيوعيون مثلا بما اقترفته جماعات العنف الثوري اليسارية، او إدانة المحافظين بما اقترفته جماعات اليمين العنصرية. ان الفكر الأقرب في رأيي لأطروحات عبير موسي المتشددة، ليست سيرة الزعيم بورقيبة ولا سيرة الرئيس بن علي، بل اطروحات الطغمة العسكرية الاتاتوركية ايام تجبِرها، عندما شنقت باسم الدفاع عن علمانية الدولة الرئيس عدنان مندريس، واغتالت بالسم الرئيس تورغت أوزال، وسجنت وعذبت وقتلت الاف النشطاء السياسيين والمدنيين بعد ان اتهمت زورا وبهتانا بالارهاب.
ان الأمم العاقلة المتحضرة هي الامم التي تسعى الى توسيع دائرة المعتدلين وتضييق هامش الإرهابيين، أما وقد أصيب عقل بعضنا السياسي بلوثة الحقد والكراهية، فقد اضحى الولع بتحويل نصف الشعب الى ارهابي، وإقحام بلدنا في حروب داخلية وإقليمية هدفها دفعنا الى تخريب بيوتنا بايدينا والعياذ بالله. وخلاصة القول، لو كان الزعيم بورقيبة بيننا، ولو كان للرئيس بن علي سلطة علينا، لما اختلفا مع سي الباجي في سيرته الطيّبة في الحكم التي اصرت دائماً و الى اخر لحظة من عمره على المصالحة الوطنية.
رحم الله جميع هؤلاء القادة وهدانا والزعيمة عبير سواء السبيل.
Comments