لمصلحة من شيطنة المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال؟
هشام الحاجي
تسرب الجدل بمناسبة مواجهة تداعيات فيروس كورينا الى مناقشة دور المؤسسات الخاصة و رجال الأعمال في معاضدة جهود الدولة في التصدي لهذا الوباء وهو ما تمت اثارته من جديد اليوم في الجلسة العامة التي عقدها مجلس نواب الشعب و التي خصصت للحوار مع الحكومة. .
فقد طالب بعض النواب بفرض ضرائب إضافية على الثروات و المرابيح و باستعمال كل الوسائل التي تحقق هذا الهدف، في حين أعتبر آخرون أن هذه الدعاوى تمثل شيطنة لرجال الاعمال، و لا تدرك حقيقة الوضع الصعب للمنشأة الاقتصادية التونسية الخاصة، وأن ما قيل لا يمكن الا أن يشجع على “الهروب ” من القطاع المهيكل و المنظم إلى القطاع الموازي. ، الذي يمثل أكثر من 50 بالمائة من الاقتصاد التونسي، حسب تقديرات الخبراء.
ما شهده مجلس نواب الشعب اليوم يمثل امتدادا لسجال اطلقه منذ أيام رئيس الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية سمير ماجول بتصريحات متتالية اعتبر فيها أن رجال الأعمال و الصناعيين على حافة الإفلاس و قد انهكم “الابتزاز” و لم يعد لديهم ما يعطون و أن “تونس هي جحيم جبائي”.
تصريحات سمير ماجول التي كانت صادمة من حيث أسلوبها أجاب عنها بعض أعضاء الحكومة كغازي الشواشي (وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية) الذي أكد أنه من حق الدولة استعمال كل الوسائل لإجبار رجال الأعمال على المساهمة المالية في جهود مقاومة الكورونا.
وإذا كان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قد أعاد “عقارب الساعة “إلى مكانها حين أشار اليوم إلى أن الحكومة لا تشيطن القطاع الخاص و لا تريد انهاكه بل تسعى لتطوير دوره فإن الجدل الذي أثارته الكورونا ليس ظرفيا بل عاشت على وقعه تونس منذ عقود و ذلك لعدة أسباب.
لعل من أهمها السياق التاريخي الذي تشكلت صلبه طبقة رجال الأعمال في بلادنا و الذي تميز بوقوف الدولة من خلال التسهيلات القانونية و المالية وراء “انبثاق ” هذه الطبقة وهذه الخلفية التاريخية يستحضرها اليوم كل الداعين لإخضاع القطاع الخاص لضرائب إضافية و مثل الضريبة على الثروة أو عبر اللجوء لوسائل لا تخلو من إكراه على دعم جهود مقاومة الكورونا.
و لكن السنوات الأخيرة فرضت على المؤسسات الاقتصادية الخاصة وضعا أقل ما يقال عنه أنه صعب. فقد انعكست إجراءات مصادرة بعض المؤسسات الاقتصادية على صورة القطاع الخاص إذ خلق التعميم و التعويم حالة من شيطنة المبادرة الخاصة و زاد الارتباك و الغموض و الضبابية في التعامل مع ملف الشركات المصادرة في توتر العلاقة بين القطاع الخاص و السلطة السياسية.
خاصة مع تواتر الحديث عن “ابتزاز ” يخضع له رجال الأعمال و الصناعيين و من عودة منطق “الزبونية السياسية ” مع ما تعنيه من تجاوز طرفي العلاقة للقانون.
و يضاف إلى ذلك “تغول ” القطاع الموازي الذي يمثل نصف النشاط الاقتصادي و الذي لا يساهم بأي شكل في تعبئة موارد الدولة إذ لا يخضع للجباية و لا يساهم في الصناديق الإجتماعية.
لا شك أن إقامة نمط تنمية بديل يفرض إلى جانب الحفاظ على القطاع العام العمل على رد الاعتبار لثقافة الإقدام و المبادرة الخاصة و على تثمين ثقافة الإنجاز و الكسب مع احترام القانون و تطوير التشريعات والقوانين بما يحول دون التهرب الجبائي و بما يكرس العدالة الجبائية و قد يكون تجاوز النظام التقديري و الجزافي أحد مداخل علاقة جديدة بين رجال الأعمال و الصناعيين و الدولة، بعيدا عن “تخميرة” شيطنة رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة عبر خطاب شعبوي.
Comments