لمواجهة التضخم الغير مسبوق .. تركيا تعلن عن خطة تقشف “صعبة”
بدءا من سيارات الحماية الخاصة بالوزراء والمسؤولين وحتى الهدايا والقرطاسية والدفاتر والأوراق اللازمة للاستخدام في الدوائر الرسمية، بدأت حكومة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إجراءات “تقشف” واسعة النطاق، ينظر إليها خبراء اقتصاد تحدثوا لموقع قناة “الحرة” من زاويتين.
الزاوية الأولى تعتبر أنها “إجراء لا مفر منه” لمكافحة التضخم والمستويات غير المسبوقة التي بلغها، والثانية أن اللجوء إليها يسدل الستار على مرحلة “صعبة ومعقدة”، ويرتبط تحقيق الأثر الإيجابي فيها “بالقدرة على الصمود والالتزام بالقواعد”، كما يوضح الباحث الاقتصادي، الدكتور مخلص الناظر.
جاء الإعلان عن إجراءات “التقشف” في بيان تلاه وزير المالية التركي، محمد شيمشك، وقال برفقة نائب إردوغان، جودت يلماز، صباح الاثنين، إن “الأولوية القصوى للقرارات الحالية هي حل مشكلة تكلفة المعيشة”.
وبينما ترك شيمشك، وهو قائد الفريق الاقتصادي الذي عينه إردوغان بعد فوزه بانتخابات الرئاسة والبرلمان، الباب مفتوحا أمام “إجراءات تقشف أوسع”، أعاد التأكيد على الهدف الرئيسي الذي يطمحون إليه، وهو إعادة معدلات التضخم إلى “فئة الآحاد”.
وارتفعت معدلات التضخم في تركيا في شهر أبريل الماضي إلى 69.8 بالمئة حسب بيانات “معهد الإحصاء التركي”، وجاء ذلك رغم اتجاه المصرف المركزي في البلاد إلى رفع أسعار الفائدة وبالتدريج من 8.5 إلى 50 بالمئة، بموجب إجراءات “التشديد النقدي” التي أعلن عنها قبل أشهر.
كما ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 3.2 بالمئة بمعدل شهري، على ما أظهرته بيانات “معهد الإحصاء”.
ماذا تتضمن “حزمة الادخار”؟
في البيان الذي أعلنه شيمشك ونائب إردوغان يلماز، لم تقتصر إجراءات التقشف على مؤسسة أو وزارة دون غيرها، بل استهدفت كل القطاعات ومختلف المسارات التي يراد منها “تخفيض الإنفاق العام”.
وكان أبرز ما تم الإعلان عنه أنه سيتم تعليق شراء/تشييد مباني الخدمات الجديدة لمدة 3 سنوات، باستثناء المتعلقة بمخاطر الزلازل.
وتنص الإجراءات الجديدة أيضا على عدم استئجار مبنى جديد، مع الاتجاه لإنهاء عقود الإيجار الحالية وفق جدول زمني.
وقال شيمشك إنهم سيراجعون إيجارات المساكن ورسوم المرافق الاجتماعية مع مراعاة القيمة الحالية، وسيحدّون من التوسع الإداري، ويخفضون عمليات التوظيف الجديدة.
وكان لافتا أن إجراءات التقشف وصلت إلى حد تسريع استبدال أضواء الإنارة في الشوارع إلى “الليدات” التي تستهلك طاقة منخفضة، والتحول على نحو كبير إلى نظام المراسلات الالكترونية.
وتضمنت الإجراءات أيضا: عدم تنظيم أي نشاط في المؤسسات، من رحلات ووجبات، باستثناء الاجتماعات الدولية والعطلات الوطنية، ومنع تقديم الهدايا مثل الأجندات والتقاويم واللوحات.
وستعطى الأولوية للمشروعات الاستثمارية التي يزيد تقدمها المادي عن 75 بالمئة، والمشروعات الاستثمارية الضرورية بسبب مخاطر الزلازل، وأضاف وزير المالية التركي من جانب آخر، أنه سيتم منع شراء أو استئجار سيارات جديدة لمدة 3 سنوات.
كما أوضح أنهم سيمنعون استخدام وشراء المركبات أجنبية الصنع، إلا بما يسمح القانون به، وسيتوقفون عن نقل الموظفين من الأماكن التي تتوفر فيها وسائل النقل العام، باستثناء قطاعي الأمن والدفاع.
ما الهدف من “التقشف الحكومي”؟
وشيمشك وجودت يلماز، إلى جانب محافظ البنك المركزي الجديد، فاتح كاراهان، هم القادة الأساسيون الذين يمضون في عملية “الإصلاح الاقتصادي”، القائمة على خفض معدلات التضخم العالية.
ومنذ تعيينهم من جانب إردوغان، اتخذ هؤلاء العديد من الخطوات، مخالفين جميع القواعد والسياسات التي كان الرئيس التركي يؤكد عليها قبل مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ولا تزال سياستهم قائمة حتى الآن ويؤكدون الالتزام بها، ويرى باحث الاقتصاد، الناظر، أنه لا يمكنهم العودة إلى الوراء، وفي حال اتجهوا لذلك سيخلقون مخاطرا كبيرة.
الناظر يشرح أن سياسة “التقشف الحكومي” التي بدأها فريق إردوغان تهدف إلى “خفض عجز الموازنة العامة وتحويله إلى فائض”، ويرى أن البلاد، بموجب ذلك، تكون قد دخلت في “مرحلة صعبة”.
ولانخفاض الإنفاق الحكومي تأثير سلبي على النمو الاقتصادي، وما يزيد على ذلك أن “الإنفاق الاستهلاكي منخفض بالأساس بسبب غلاء الأسعار والتضخم”، وفق الناظر.
ويوضح لموقع “الحرة” بالقول: “الإنفاق العام والاستهلاكي جزءان من النمو الاقتصادي، وانخفاضهما الآن سيحدث تأثيرات سلبية، كون النمو سينخفض”.
ومع ذلك، يشير الباحث إلى أن ما يفعله الفريق الاقتصادي في تركيا لا يمكن تجاوزه لمواجهة الحالة التي تعيشها البلاد.
ويضيف أن “ما يجري فعليا الآن هو إدخال الاقتصاد في حالة ركود متعمّد لخفض التضخم”.
ويتابع أنه في حالة حدوث فائض في الموازنة “لن تضطر الدولة للحصول على ديون أو قروض أو طرح سندات خزينة لأخذ تمويل، مما سيعود إيجابيا على ميزان الحساب الجاري ومفاصل الاقتصاد كاملة”.
وكانت الأرجنتين طبقت هذه الخطة في الفترة الأخيرة، ورغم التداعيات التي أسفرت عنها بدأت آثارها بالظهور على معدلات التضخم.
ويعتقد الباحث الناظر أن الوزير التركي شيمشك يريد تخفيض الإنفاق العام “من أجل إحداث فائض في الموازنة عوضا عن العجز المستمر منذ سنوات”.
“3.5 مليار دولار و3 سنوات”
وتعد حزمة “الادخار” الجديدة التي أعلنها شيمشك لمدة 3 سنوات “محور تركيز رئيسي للحكومة”، وتستهدف قطاعات مختلفة بهدف أساسي هو مكافحة التضخم، حسبما يقول الباحث الاقتصادي التركي، دينيز استقبال.
ويبلغ إجمالي الحزمة 3.5 مليار دولار من تخفيضات الإنفاق.
ويضيف الباحث لموقع “الحرة” أن “تشديد السياسة النقدية بات يتجلى في التدابير المالية، مما يدل على الالتزام بتحقق الاستقرار في الاقتصاد”.
الباحث يشير أيضا إلى أن “جهود إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الزلزال معفاة من التخفيضات المعلنة، مما يسلط الضوء على إعطاء الأولوية للمخاوف الإنسانية”.
ويوضح أن ما تم الإعلان عنه الاثنين “لن يكون الأخير”، لافتا إلى ما قاله وزير المالية شيمشك بأن “الحزمة مجرد البداية، مع إمكانية اتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز كفاءة الإنفاق العام البالغ 410 مليار دولار”.
ومن جهته، يشرح الباحث الناظر أن الفريق الاقتصادي في تركيا يسير باتجاهين، الأول نقدي والثاني مالي. وكان قد اتبع في السابق إجراءات “تشديد نقدي” وعمل على رفع الفائدة بالتدريج.
والآن، يعمل على “الانكماش المالي” في مسعى لإعادة المؤشرات الاقتصادية إلى وضعها الطبيعي والمنطقي، خاصة أن جميعها في “حالة عجز”، وفق الباحث.
ويتابع: “المرحلة التي دخل بها الاقتصاد التركي الآن صعبة ومعقدة.. وفي حال صمدت الحكومة على ذات السياسات ستكون الآثار إيجابية”.
وبحسب الباحث التركي استقبال، “تستعد المؤسسات العامة لتعزيز خطاب إيجابي بشأن تدابير التقشف، مما يشير إلى بذل جهود متضافرة نحو المسؤولية المالية والمرونة الاقتصادية”.
المصدر: موقع قناة “الحرة”
Comments