الجديد

لوموند الفرنسية: وباء كورونا يهدد الانسانية و العالم دون زعيم

قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن كوفيد-19 عمل على تسريع التوجهات الجيوسياسية القائمة بالفعل، بعد أن تأكدت الطموحات الصينية والتراجع الأميركي، متسائلة ماذا سيبقى من إرث الحرب العالمية الثانية بعد هذه الأزمة وكيف سيختلف ما بعدها عن عالم ما قبلها؟

وفي مقال بقلم سيلفي كوفمان، قالت الصحيفة إن الرد على هذه التساؤلات من السابق لأوانه، ما دام التنبؤ بموعد نهاية الأزمة غير ممكن، لأن هذا الفيروس الذي عرف العالم منذ ثلاثة أشهر بوجوده في الصين، عبر أنحاء الكوكب، فضرب إيران ثم أوروبا وهو يعصف الآن بالولايات المتحدة، وقد يتحرك إلى مكان آخر.

وقد ألحقت هذه الأشهر الثلاثة اضطرابات شديدة بالنظام العالمي -حسب الكاتبة- من الصعب معرفة ما إذا كانت ستؤول إلى مجرد تعديلات أم ميلاد عالم جديد، إلا أنه من المحقق أنها كشفت حتى الآن عن تسارع في الاتجاهات التي كانت قيد التشكل قبل الأزمة، بدلا من قطيعة نهائية مع عالم ما قبلها.

أميركا تنسحب والصين تتدخل
اعتبرت الكاتبة أن وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة عام 2017، بعد سنوات من عدم الاهتمام الأميركي المتزايد بممارسة القيادة العالمية، ورفع شعاره “أميركا أولا” كان إيذانا بانكفاء القوة الاقتصادية الأولى عالميا على ذاتها.

وقد أدى تفشي كوفيد-19 والكارثة الاقتصادية التي تصاحبه في خضم الحملة الرئاسية إلى تفاقم هذه العملية -كما تقول الكاتبة- فأدار ترامب ظهره لأوروبا وتصامم عن أي تعاون دولي، وقرر تعليق المساهمة الأميركية في منظمة الصحة العالمية في خضم أزمة صحية.

وفي الوقت نفسه -تقول كوفمان- كشفت الأزمة ضعف النموذج الاجتماعي والسياسي الأميركي، حيث ترك 22 مليون عاطل عن العمل بدون إعانات ودون تأمين صحي، في بلد منقسم وفريق عمل مختل، يصارع فيه البيت الأبيض حكام الولايات، في صورة مروعة من فقدان المكانة والهيبة.

وبجرأة وسرعة أخذت الدول الغربية على حين غرة، أطلقت الصين، وهي لم تكد تسيطر على الوباء في ووهان، هجوما عالميا من الدبلوماسية الإنسانية، ضاعفته بدعاية ضخمة، مستفيدة من الانسحاب الأميركي من المشهد العالمي.

ورغم وضوح طموحاتها السنوات الأخيرة، فإن الصين -كما تقول الكاتبة- لم تقم بهذا القدر من الجهود من قبل، معتمدة على شحنات من الأقنعة والمعدات الطبية وجدت صدى كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي الغربية، وعلى مشاركة نشطة من سفاراتها ووسائل إعلامها في انتقاد إدارة الحكومات الأوروبية والترويج لمفهوم “طريق الحرير الصحية”.

وساهم غياب المساعدة الأوروبية والأميركية لإيطاليا في ترك فراغ ملأه الانتشار الصيني، قبل أن يبدأ الهجوم المضاد يتشكل، حيث لا يفوت ترامب فرصة لمهاجمة بكين، متهما إياها بتأخير إبلاغ العالم بالفيروس والتلاعب بمنظمة الصحة العالمية.

ومن ناحيتهم، يتساءل الزعماء الأوروبيون علنا عن صحة أرقام الصين حول مدى انتشار الوباء ومعلوماتها عن أصل الفيروس، مطالبين بمزيد من الشفافية، خاصة أنهم غاضبون من استغلالها السياسي للصعوبات التي واجهتهم.

ومع ذلك، ترى الكاتبة أنه ما زال على الصين أيضا إدارة الصدمة الاقتصادية، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.8% في الربع الأول، مشيرة إلى أن العاملين المحددين في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين هما القدرة على الانتعاش الاقتصادي والفوز بإنتاج اللقاح.

العولمة وأوروبا وتحدي التضامن
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي لم يكن مستعدا صحيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا لأزمة كورونا -حسب الكاتبة- فقد أظهر غيابه عن مساعدة إيطاليا ضعف تضامنه، بحيث تم إغلاق الحدود داخل منطقة شنغن، ومنعت ألمانيا وفرنسا تصدير المعدات الطبية في انتهاك لقواعد السوق الداخلية.

وبعد الأسابيع الأولى، استأنفت المؤسسات الأوروبية رحلتها لمساعدة الدول الأعضاء على مواجهة عواقب الإغلاق المطول لاقتصاداتها، وخاصة البنك المركزي الأوروبي الذي قام بالإجراءات اللازمة -كما تقول الكاتبة- مشيرة إلى أن دولة الرفاهية لعبت دورها بالكامل في المجتمعات الأوروبية.

وفي نفس السياق، رأت الكاتبة أن اختبار كوفيد-19 كان قاسيا على العولمة التي كانت متهمة أصلا بأنها مسؤولة عن زيادة التفاوتات وتدمير الطبقات المتوسطة في البلدان المتقدمة.

وبدت مجموعة الدول السبع غير فعالة على الرغم من جهود فرنسا لتفعيل الرافعة الأميركية، واكتفت مجموعة العشرين باتفاقية تعليق سداد الديون لبعض الدول النامية حتى نهاية العام.

وبدا للكاتبة أن عنف الأزمة ورد الفعل الحمائي للدول قد نشطا القوميات ضد العولمة، مما وضع التعددية في موقف دفاعي، حتى ولو كان صندوق النقد والبنك الدوليان قادرين على إثبات فائدتهما في المساعدة بشكل كبير من العالم الناشئ.

واستفادت الأنظمة الاستبدادية من الأزمة وإجراءات الطوارئ التي فرضتها لتعزيز سيطرتها على المجتمع أو أجهزة السلطة -كما تقول الكاتبة- فطردت الصين مراسلين صحفيين وألقي القبض على شخصيات في الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ.

أما في روسيا، فترى الكاتبة أن الأزمة أجبرت الرئيس فلاديمير بوتين على التخلي عن استفتاء كان سيضفي الشرعية على بقائه في السلطة بعد عام 2024.

وفي الجنوب، تحبس أفريقيا أنفاسها، خائفة من انتشار للوباء قد يكون هائلا بسبب ضعف البنية التحتية الصحية واستحالة حجر فعال، مع الأمل في كون سكانها أغلبهم من الشباب، وفي خبرتها المكتسبة في المعارك ضد الأوبئة.

وقرب نهاية المقال، رأت الكاتبة أن حياة ما بعد فترة الحجر ستلعب فيها الرقمنة دورا بارزا، مما يعني أن عمالقة الإنترنت هم اللاعبون الجدد الذين سيكتسبون أهمية أكبر لتأثيرهم على عمل المجتمع وتنظيم الحياة الاقتصادية.

ومع أنه لا شيء ثابتا -كما تختم الكاتبة- فإن الأمر الوحيد المؤكد في هذه المرحلة أن هذا الوباء العالمي هاجم بشكل خطير الأسس المهتزة للنظام العالمي الذي ورثناه عن القرن العشرين.

المصدر : لوموند

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP