الجديد

ليبيا: الحوار في “محطة قمرت” .. دار لقمان على حالها

منذر بالضيافي

بعد ما يقرب  10 سنوات على ثورة 17 فيفري/ فبراير 2011، وسقوط نظام معمر القذافي، الذي حكم ليبيا أكثر من أربعين سنة، تشير جل التقارير والتقديرات، وكذلك نتائج المؤتمرات التي عقدت هنا وهناك واخرها الذي انطلق اليوم الاثنين 9 نوفمبر 2020 في ضاحية قمرت التونسية، أن ليبيا بصدد التحول وبسرعة كبيرة، الى دولة أقرب الى “الفاشلة”، وهذه حقيقة ماثلة على الأرض، وأيضا في ادراك الدول القوية التي تباشر الأزمة في طرابلس، والتي تنتقل في تباحثها من جينيف الى المغرب وصولا الى تونس.

فعلي خلاف ثورتي تونس ومصر، حيث استمرت الدولة بعد سقوط النظام، نظرا لتجذر ارث الدولة المركزية. فان الوضع في ليبيا كان مغايرا تماما، فمع سقوط النظام انهارت وتفككت الدولة بكل مؤسساتها، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، لنكتشف ضعف نظام القذافي وغياب الدولة خلال فترة حكمه.

لعل هذا ما يفسر حلول كل مظاهر التقاتل، الذي غذته المليشيات وانتشار السلاح، والتفكك حيث برزت للسطح النزعة الاستقلالية والمناطقية، فضلا عن الانقسام المجتمعي والسياسي بين الشرق والغرب.

هذا المشهد  سمح ويسمح الي اليوم بتوفير كل العناصر المحفزة على الفوضى، التي تعمقت أكثر مع التدخل الإقليمي والخارجي، لتنزلق معه ليبيا نحو ما يشبه الحرب الأهلية، التي يتوقع أن تستمر بعد تمترس القوي السياسية، وراء المليشيات المسلحة والعمق القبلي، وسقوط كل ورقات الحل بيد العامل الخارجي.

في ظل هذا المشهد المضطرب والمفكك، وجدت التنظيمات الإرهابية و “الجهادية”، مثل “القاعدة” و “داعش” و أخواتها الفرصة مناسبة للتمدد، مستغلة حالة الفراغ المؤسساتي والفوضى التي زادت تناقضات الفاعلين السياسيين في تغذيتها.

وبهذا أصبحت البلاد مرتعا لهذه الجماعات، التي بايع بعضها تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، مثل “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وهو ما ساهم في مزيد تعقيد الوضع الليبي، وزاد في تأخير فرص الحل أو التسوية.

يعرف الوضع الليبي الحالي، بأنه شديد التعقيد، فهو يتسم أساسا ب “حرب الكل ضد الكل”، وفق عبارة فيلسوف العقد الاجتماعي توماس هوبز (1588-1679، فيلسوف إنجليزي عاش في القرن السابع عشر، في فترة تميزت بالاضطرابات والقلاقل، عانى خلالها المجتمع الإنجليزي من ويلات الحرب الأهلية.)

فكل مكونات المشهد الليبي الحالي، دخلت في صراع على قاعدة “إلغاء الآخر”، صراع يدور حول “الغنيمة” (الثورات البترولية الهائلة) و “النفوذ” بما يعني من إصرار كل طرف أو جهة على حسم الصراع لصالحه، وهي عملية تبدوا غير ممكنة، إن لم تكن مستحيلة على الأرض.

ولعل هذا ما يفسر عدم قدرة الفاعلين السياسيين على الحوار الجدي الذي يفضي الى توافقات تنهي الأزمة أو على الأقل تخفف من حدتها – برغم تعدد عواصم اللقاء – وبالتالي المرور الى إيجاد تسوية داخلية توقف نزيف الانزلاق نحو “الانهيار الكبير”، نحو حرب أهلية ستخلف الدمار وتنسف ما تبقي من أسس ومقومات الدولة، وسيكون لها ارتداداتها السلبية على الاقليم برمته ( شمال افريقيا والساحل الافريقي ).

اذ نلاحظ استمرار الطابع الدموي، الذي صاحب الانتفاضة الليبية، منذ بدايتها، بعد أن عمد نظام القذافي إلى عسكرتها، لتأخذ منعرجا أكثر دموية مع التدخل العسكري الأجنبي، الذي عمد إلى استيعاب الحراك الثوري، ثم تحويله عن مساره، ونحن اليوم على أعتاب السيناريو السوري، بعد تنقل الجماعات المتشددة أفواجا أفواجا الى ليبيا.

في ظل هذا المشهد الليبي الداخلي، وتنامي الصراع في شرق المتوسط، أية انتظارات من حوار “قمرت” الذي يجري على أرض تونس، البلد الأكثر تضررا مما يجري في ليبيا؟

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP