ليبيا .. تكالب على الغنيمة وسط حروب بالوكالة
بقلم محمد بشير ساسي*
تسارعت وتيرةُ الأحداث بشكل مخيف بمنطقة البحر الأبيض المتوسط قبل أنْ تخيّم سحابتها السوداء فوق الجغرافيا اللّيبية حتى قيل أنّ حروبا بالوكالة أطلّت برؤوسها في ظل لغة التوتّر السياسي والتصعيد العسكري في الآونة الأخيرة
فإعلان كل من تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر الماضي، عن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، فُهِمَ الإعلان كونه خطوة حرّكت المياه الإقليمية والدولية الراكدة، بل أبعد من ذلك ثمّة من يذهب إلى فرضيّة تحوّل البلد الغني بالنفط إلى ما يُشبه النّسخة السورية للمغرب العربي في ظلّ مسلسل السلام المتعثر.
فليبيا ذلك البلد الذي خُلّص قبل ثمان سنوات من حكم 42 عاما للرجل القوي الزعيم الراحل معمر القذافي، تحّول اليوم برأي مراقبين إلى مسرح مقسم بين حكومة وحدة وطنية تشكّلت بإشراف من الأمم المتحدة يرأسها فائز السراج، وتمرّد يقوده الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ومن خلْفهِما قوى تراقب كالنسور للانقضاض على الغنيمة الليبية لضمان مصالحها وسط كومة من الحروب بالوكالة.
الجارة مصر دخلت على خطّ الأزمة الليبية بكل ثقلها السياسي والديبلوماسي وحتى العسكري بعد اعتراف رئيسها عبد الفتاح السيسي بدعم قوات الجيش الوطني الليبي تحت قيادة خليفة حفتر _الذي أطلق ما أسماه “المعركة الحاسمة” للسيطرة على طرابلس_ مؤكدا أنّ بلده لن يرضى بإقامة دولة في ليبيا تحكمها من وصفهم بالمليشيات والجماعات المسلّحة والإرهابية والمتطرفة.
ويرى محلّلون أن تصريحات السيسي كانت منتظرة في ظل استقواء حكومة الوفاق بالدول الصديقة على غرار الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وإيطاليا والجزائر وبدرجة أولى الحليفة تركيا وهي التي فعّلت معها طلب الدعم الفني واللوجستي، في الوقت الذي أكملت فيه أنقرة دراسة إنشاء قاعدة عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس وفق ما كشفت عنه تقارير صحافية تركية.
مخطط تركي وصفه خبراء عسكريّون بالإستباقي من شأنه مساعدة حكومة الوفاق وتزويدها بأنظمة الدّفاع الجوي، التي ستساعدها في صدّ الهجمات الجوية وآخرها الغارات على أهداف في مدينتي مصراتة وسرت.
لكن هناك من يعتقد أنّ الأمر لن يكون سهلا كما يعتقد البعض، فحفتر “أمير الحرب” كما يُوصَفُ مايزال يحصل على الدعم العسكري والتقني اللاّمحدود من حلفائه الإقليميين والدوليين وفي مقدّمتهم روسيا الطّامحة لاستنساخ التجربة السّورية والأوكرانية في ليبيا عبر إرسال أكثر من 100 مرتزق من مجموعة فاغنر -التي يرأسها يفغيني بريغوزين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين- للتمركز في الخطوط الأمامية لدعم حفتر، وتقديم الخبرة له في مجال المدفعية والقتال البري.
وبقدر ما تتناقض وجهات النظر والتصريحات بين اللاّعبين الأساسيين في ليبيا فإن لغة المصالح لها من الأسباب والعوامل الكافية ما يجعلها متناغمة فيما بينهم.
فبخلاف موقف الأمم المتحدة الذي يغرد دائما خارج السرب والداعي إلى دعم جهود الشعب الليبي وجهود المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة لإيجاد حل سلمي وسياسي لإنهاء الصراع ومعالجة أسبابه، فإن وتيرة الاتصالات الدّبلوماسية تحاول جميعها تشكيل مستقبل هذه الدولة النفطية واقتسام الغنيمة وفق ما يُحاك سرّا وعلانية.
فالكلّ يبدو أنه اختار التنسيق مباشرة مع الكرملين عبر الاتصال هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدءا من نظيره التركي رجب طيب أردوغان ، مرورا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين لم تُخفض الولايات المتحدة جناح الحوار مع موسكو واختارت توجيه سهام الانتقاد عبر سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند صوب التصعيد الروسي والدعم المتزايد للهجوم الذي تشنه قوات حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، معتبرا أن هذا الدعم أدّى إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين.
أما الجارة الأوروبية إيطاليا التي فقدت الكثير من ثقلها في ليبيا تخطط بدورها لاستعادة دورها الطبيعي عبر تكليف وزير خارجيتها لويجي دي مايو بمهمة حسّاسة وذلك بمعاينة الوضع عن قرب والجلوس مع الفرقاء السياسيين ما بين طرابلس وبنغازي وطبرق.
مهمة دي مايو التي اتسمت بــ”الواقعية السياسية” كما وصفها الإعلام الإيطالي قيل أنها بمثابة الاستجابة للمخاوف المشتركة مع الأوروبيين التي خيّمت على أعمال مؤتمر حوارات المتوسط الذي التأم مؤخرا في العاصمة روما سواء حول الأزمة الليبية أو حول نجاح المؤتمر المزمع عقده في برلين.
فالتحرك الإيطالي لكسر الجمود بخصوص الملف الليبي كان المقصد من وراءه إيصال صوت رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي خلال الإجتماع الأخير لقادة أوروبا في بروكسل بأنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي رصّ الصفوف لأن المسألة لا تخص إيطاليا فقط، مضيفا أنه يجب أن تصبح مخاوف إيطاليا أوروبية.
مشهد ليبي مخيف فرض على كلّ الفاعلين وضع وتطوير مبادرات ملموسة وجدية على أرض الواقع توقف في مرحلة أولى نزيف الإقتتال الداخلي والفوضى السائدة بين طرفي صراع يبدو أنّه لا يمكنُهما قيادة “ليبيا موحّدة” بعد إعلان الحرب وانتصار لغة العداء..
*كاتب وإعلامي تونسي
Comments