كتب: عدنان منصر
كتب الناشط السياسي والأكاديمي عدنان منصر تدوينة على صفحته على فيسبوك تحت عنوان: “مأزق أم فرصة؟’، تطرق فيها الى مسارات تشكيل الحكومة وما رافقها من “مناورات” و “مناورات مضادة”، وكذل منهجية رئيس الحكومة المكلف والجدل الذي صاحبها، في ما يلي نص التدوينة:
مفاوضات تشكيل حكومة الفخفاخ تغوص في رمال المناورات، والمناورات المضادة، والإحراج المتبادل. هذا أمر متوقع، فمصالح الأحزاب هي نفسها، وحسابات الكتل الكبرى، والمتوسطة، هي نفسها أيضا. عندما استمعت لرئيس الحكومة المكلف يتحدث عن حكومة الخط الثوري، ثم عن الأحزاب التي التفت حول قيس سعيد في الدور الثاني، ثم رأيته يجتمع بعدد من ممثلي الأحزاب، قلت في نفسي أن هناك مشكلة. لا بأس.
الإشكال أن عددا من الناس يعتبرون المشكل تواصليا، في حين أنه سياسي، ولم يكن هناك بد من الوقوع فبه، خاصة عندما لا نعرف ما نريد بوضوح.
الوضع الآن كما يلي: الأحزاب التي يعتقد الفخفاخ أنها في صلب “الخط الثوري” ليست أقل استعدادا للمناورة من أجل المواقع، من أحزاب الخط المقابل. والنهضة تشترط إدخال قلب تونس في الحكومة، وكتل أخرى تساندها في ذلك، ما يعني أن حكومة الخط الآخر تتمتع بحوالي مائة وعشرين نائبا، وأنه، حسابيا ونظريا، لا يمكن لحكومة الفخفاخ أن تمر. واقعيا،حكومة الخط الآخر (الجملي) لم تستطع المرور في البرلمان، ولا شيء يقول أن إعادة تكليف النهضة بتشكيل الحكومة سينجح.
مأزق من هذا الذي نعيش؟ بعيدا عن الإعتبارات الأخلاقية (لم يعد يفيد في مواجهة كل السلوك الأخلاقي للأحزاب الأولى أن تأتيها من هذا الباب)، القضية ليست في عجز الفخفاخ عن ضمان تصويت أغلبية نيابية على حكومته، بل في عجز الكتل المعارضة له عن طرح بديل للفخفاخ في السياقات الدستورية التي نعرفها. لن تعود المبادرة “للحليفين المتحابين”، ولن يمكنهما، مع المؤلفة قلوبهم ذات اليمين وذات الشمال، إلا أن يقرروا التصويت بنعم أم لا على الحكومة المقبلة. الأزمة لن تتلاشى حتى لو صوتوا بنعم، وتشكلت حكومة أقلية، لأنهم سيسعون لإفشال أي أعمال تقوم بها الحكومة المقبلة. ستكون فقط أزمة مؤجلة تنفجر مجددا بمناسبة وبغير مناسبة.
أنا من الذين يعتقدون أن الأحزاب الأكثر ضجيجا في التظاهر بعدم الخوف من الإنتخابات السابقة لأوانها، هي بالفعل الأكثر خوفا منها. لا يقع منح الحكومة الثقة، فتدخل البلاد في حملة انتخابية سابقة لأوانها تدوم ثلاثة أشهر على الأقل، ويصبح على الأحزاب المرتحلة في اليوم ألف مرة بين الأخلاق والواقعية، وبين مصلحتها ومصلحة البلاد، أن تواجه الناس طيلة هذه الحملة بسيئاتها. ليس ذلك فقط، بل إنها وهي تخاف اليوم من التقاء قلب تونس والدستوري الحر، ستجد نفسها تسهل لهما الإلتقاء القوي على أسس أكثر صلابة خاصة وأن الوعود بالموقع الأول لهما معا أمر شديد الإغراء. ليس تحالف النهضة مع قلب تونس اليوم ضد الفخفاخ ما سيمنع التقاء قلب وتحيا، بل هو مما سيسهله ويرفع الحواجز من أمامه عند المرور للانتخابات السابقة لأوانها. في قيادات النهضة وهياكلها من يعرف ذلك جيدا. أكاد أقول أن أقل الأحزاب خوفا من إعادة الانتخابات هو الدستوري الحر، وبدرجة أقل قليلا نبيل القروي. المطلعون يعرفون جيدا ما أعني. تفريط النهضة في تحالفها مع تحيا تونس، لمجرد اعتبارات حسابية، كان خطأ جسيما.
لكن لا شيء في الحقيقة يجبر رئيس الجمهورية على حل المجلس لو لم يحصل الفخفاخ على الثقة. أو دعنا نقول أنه لا شيء يجبره على حل البرلمان بعد شهر من ذلك، أو شهرين، أو ستة أشهر. ولا شيء يجبر رئيس الجمهورية، أيضا وكذلك، على ختم أي قانون انتخابي يصاغ على مقاس حزب أو حزبين، يكون هدفه فقط تغيير طريقة احتساب الأصوات لافتكاك مقاعد أكثر.
أعتقد أن الخيارات الحقيقية أمام النهضة اليوم، على عكس ما تنشره قيادات النهضة في وسائل الإعلام، محدودة جدا: إما المواصلة في التمسك بتشريك قلب تونس وعدم ترك الحكومة تمر في المجلس وفتح الباب أمام إمكانية انتخابات جديدة تسفر عن احتمال كبير بقيام جبهة دستورية تحرمها من المشاركة في أي مفاوضات لاحقة لتشكيل حكومة، وإما تجرع كأس الفخفاخ وابتعادها عن “تحالف المصير” مع قلب تونس، في انتظار أن تسمح متغيرات جديدة بمناورات أخرى.
مع ذلك، أنا من الذين يعتقدون أنه لا مفر من انتخابات سابقة لأوانها. القضية ستكون توقيتها، والعناصر المحددة لذلك التوقيت. هناك عصافير كثيرة فوق الأشجار. العاقل من لا يعتقد أن بإمكانه اصطيادها كلها، ودفعة واحدة.