“ماذا أكلت اليوم؟ لا شيء”.. ريبورتاج “ميديابارت” الفرنسية: حكاية سيدة من غزة تكافح لتحيا !
نزحت فريدة عادل الغول أكثر من 20 مرة منذ بداية الحرب يوم 7 أكتوبر 2023 ، وهي الآن تعيش لاجئة وسط أنقاض المباني التي سحقتها القنابل الإسرائيلية، في دير البلح، إنها تناضل جاهدة بشكل يومي من أجل البقاء وإبقاء أحبائها على قيد الحياة تحت القصف الإسرائيلي.
وقدمت المواطنة (26 عاما) شهادتها عبر الهاتف لموقع ميديا بارت رغم ضعف الاتصال الذي انقطع عدة مرات، وهي “سعيدة للغاية” بالتحدث إلى صحفي أجنبي لتتمكن من كشف بعض الظروف غير الإنسانية التي تعيش فيها مع جزء من عائلتها في دير البلح.
وتحرك فريدة شاشة هاتفها وهي تقول “انظر، انظر أين أعيش، من يستطيع أن يعيش هنا؟ لم نعد بشرا” وتعدل حجابها مضيفة “لم تعد لدينا خصوصية، نعيش مع أناس لا نعرفهم. وكامرأة في مجتمع محافظ يجب أن أحترم شروط اللباس”.
نازحون
وصورت فريدة حالة البلدة المكتظة الواقعة منتصف الطريق بين مدينة غزة ورفح، حيث يتوافد النازحون باستمرار بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي منشورات جديدة هذا الأسبوع تأمر السكان بالإخلاء، وتقول إن “مدينة غزة ستصبح منطقة قتال خطيرة”.
وتتهم إسرائيلَ بأنها تكذب قائلة “غدا ستُضرب دير البلح، نحن نستعد لذلك، لقد قصف مبنى جيراننا مؤخرا، لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة بأكمله، أي شخص معرض للقتل”.
وتتحدث الشابة عن إحدى المجازر الأخيرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي مستهدفا مدرسة العودة في عبسان، حيث قتل 29 شخصا، معظمهم أطفال، وجُرح العشرات و”كان الأطفال يلعبون كرة القدم”.
المدارس أهداف
وتعد الغارة الإسرائيلية على مدرسة العودة الرابعة التي تستهدف مدرسة تؤوي النازحين خلال 4 أيام، وقد قصفت 3 مدارس أخرى منذ السبت، وتزعم إسرائيل كل مرة أنها استهدفت مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) .
ومنذ 7 أكتوبر 2023، قصفت إسرائيل عشرات المدارس والبنى التحتية التعليمية بعضها عدة مرات، حيث تعرضت 119 مدرسة لأضرار جسيمة، وأكثر من 62 أخرى دمرت بالكامل، كما تعرضت 126 مدرسة حكومية و65 أخرى تابعة للأونروا للهجوم والنهب.
وتوجه فريدة عدسة هاتفها إلى ثروة عائلتها الضئيلة المتراكمة في أكياس بالطابق العلوي من المبنى المنفجر حيث استقروا في فقر مدقع، وهي بعض الملابس والأواني والبطانيات، وتقول “نحن نعيش في حالة من الفوضى والترقب الدائم، مستعدون للفرار في أي لحظة، ولا نعرف إلى أين؟ نزحنا أكثر من 20 مرة الأشهر التسعة الماضية، وأحيانا مرتين في اليوم. نزوح مرهق ولا نهاية له، مثل أكثر من 80% من سكان القطاع”.
ظروف قاسية
“يرحب بنا بعض الناس في منازلهم -تتابع فريدة- أو ينتهي بنا الأمر في خيمة، أو كما حدث أثناء عملية الإخلاء الأخيرة، نبقى في الشارع عدة أيام دون أن نجد مكانا نلجأ إليه. لم نعد نعرف أيهما أسوأ الشتاء أم الصيف، لأن الظروف الصحية مزرية للغاية. تغزونا الآفات والذباب والبعوض والفئران بسبب عدم معالجة مياه الصرف الصحي والقمامة”.
واضطرت فريدة للانفصال عن شقيقتها وإخوتها بسبب ضيق المساحة في مخيم المواصي بخان يونس، تلك “المنطقة الآمنة” التي استهدفتها إسرائيل أيضا، وهي تعيش مع أجدادها وأبناء وبنات إخوتها، وتخوض معركة يومية للحصول على مياه الشرب والطعام.
“ليست لدينا مساعدات إنسانية -كما تقول فريدة- وعلينا أن نتدبر أمورنا بأنفسنا. هل يمكنك أن تتخيل قضاء أكثر من 16 ساعة يوميا في البحث عن الماء والطعام؟ وهذا ليس لك، بل لعائلتك”.
وتتذكر فريدة والديها وشقيقتها الذين رفضوا مغادرة شمال غزة ولم تتمكن من رؤية وجوههم منذ أشهر، فهم يعانون من الجوع هناك، وكان آخر لقاء بهم عبر الهاتف قبل عدة أسابيع وانتهى بالبكاء، عندما سألت “ماذا أكلت اليوم يا أمي؟ لترد بعد صمت طويل لا شيء يا ابنتي، لا يوجد شيء للأكل، هناك بعض السلع المعلبة ولكنها غالية الثمن”.
الجوع يقتل
وإذا كانت القنابل تقتل في غزة، فإن الجوع أيضا يقتل -كما تشير صحيفة ليبراسيون- وقد أكد 10 من الخبراء الأمميين المستقلين، بمن فيهم المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، أن المجاعة واقعة بالفعل في غزة وأنها “شكل من أشكال الإبادة الجماعية”.
“فريدة: أنا لم أعد أنا، لقد غيرتني الحرب، أنا الآن أقاتل من أجل أن أبقى وأحبائي على قيد الحياة. لماذا لا يستحق الشعب الفلسطيني الحياة؟“
وفي بيان صدر الثلاثاء الماضي -أدانته الممثلية الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في جنيف- اتهم هؤلاء الخبراء إسرائيل بتنفيذ “حملة مجاعة متعمدة وموجهة” أدت إلى مقتل العشرات، معظمهم من صغار السن بينهم 3 أطفال ماتوا مؤخرا من “سوء التغذية وعدم الحصول على الرعاية الصحية الكافية”.
وأكد ميديا بارت أن قطاع غزة يعاني منذ 9 أشهر لحصار مشدد، لأن إسرائيل تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية من خلال رفضها فتح كافة المعابر البرية للسماح بدخول السلع الحيوية من غذاء وأدوية ومعدات ووقود وغيرها، علما بأن الميناء العائم، الذي بنته الولايات المتحدة بتكلفة 230 مليون دولار، كان فشلا ذريعا.
وتساءلت فريدة التي دُمرت حياتها ولم تعد تحلم بأن تكون أما كما كانت في الماضي لما رأته من أطفال رضع بلا أمهات ولا آباء في غزة “لماذا لا يتحرك المجتمع الدولي لوقف الإبادة الجماعية؟ لقد ابتلينا بالموت والمرض والأوبئة والبؤس ودمار شعبنا والعالم ينظر في الاتجاه الآخر”.
وخلص ميديا بارت إلى أن فريدة التي كانت معلمة تركت التدريس في خضم الحرب لتصبح صحفية بوسائل الإعلام الأجنبية وتساهم في تنبيه العالم إلى معاناة قطاع غزة، وتقول “أنا لم أعد أنا، لقد غيرتني الحرب، أنا الآن أقاتل من أجل أن أبقى وأحبائي على قيد الحياة. لماذا لا يستحق الشعب الفلسطيني الحياة؟”
المصدر : ميديابارت
Comments