الجديد

ماذا بعد المصادقة على التحوير الوزاري؟

د.خالد شوكات

صادق مجلس نوّاب الشعب قبل انتهاء يوم 26 جانفي 2021، بدقائق ربما، على تمرير التحوير الوزاري الذي قدّمه رئيس الحكومة هشام المشيشي، بعدد أصوات تراوح بين 118 و144 عضوا، في ظل ظروف سياسية متوتّرة ومناخ اجتماعي ساخن، وتقديرات للخبراء بعام شديد الصعوبة ماليا واقتصاديا، بالنظر الى الاثار السلبية المباشرة لجائحة كورونا، ومن أهمها تواصل الركود وازدياد المطلبية وتفاقم البطالة، أو بالنظر أيضا الى التحديات التي تواجهها الميزانية والتوازنات المالية الكبرى للدولة وخصوصا الصعوبات التي ستواجهها الحكومة في تعبئة الموارد المالية الكافية لسد العجز بعد الاشتراطات المجحفة التي قدمتها المؤسسات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

لقد شكل التحوير الوزاري اختبارا حقيقيا، بل لعله الاختبار الأهم، للحزام السياسي لحكومة المشيشي، ولن يتمكن رئيس الحكومة بعده من التحجج بأي ذريعة سواء تعلق الامر بالدعم البرلماني او بالتضامن والانسجام الحكوميين، فقد تخلص عبر هذا التحوير من جميع الوزراء الذين كانوا محسوبين على رئيس الجمهورية، وبهذا فقد خلا للسيد المشيشي الجو وما على حكومته الآن الا ان تبيض وتصفر وتظهر النجاعة المطلوبة في معالجة في الملفات والقضايا الكبرى المطروحة.

 

وفيّ مقدمتها تطويق فتيل الحريق الذي أشعله الشباب خلال الاسابيع الاخيرة، وهو كما يرى التهديد الأهم والاخطر لمسار الانتقال الديمقراطي وللدولة برمتها طيلة العشر سنوات الماضية، حيث بدت التراكمات الصغيرة التي خلفتها الحكومات المتعاقبة في طريقها الى إحداث تغيير نوعي في حال لم تتدارك الحكومة الحالية الموقف وتقدّر الامور بالجدية المطلوبة وتتخذ القرارات السريعة والناجعة التي بمقدورها انتشال هذه الشرائح الاجتماعية الفتّية واليائسة من مستنقعات الاحباط وترسم لهم افاقا جديدة واعدة.

إِلَّا أن مثل هذا التغيير النوعي في الأداء الحكومي، يظلّ أمرا اقرب الى المعجزة، فانشداد النخب السياسية الى منطق الغنيمة وما يعنيه من تفضيل للحروب الصغيرة الثانوية على خوض المعارك الكبرى للبلاد، فضلا عن الغرق في تفاصيل الحياة السياسية والحزبية اليومية على حساب النظرة الكلية والاستراتيجية، يجعل المهمة في غاية الصعوبة، اذ التقدير الاقرب الى الواقع بناء على التجارب السابقة، ان يتناسى القوم في مواقع القرار والسلطة المخاطر الكبرى المحدقة بالبلاد والديمقراطية الناشئة، بمجرد ان تستتب الأوضاع الأمنية وتتمكن الحكومة من ضمان الموارد المالية التي تمكنها من سداد اجور موظفيها الشهرية، ويصبح الخيار الافضل لهذه النخب الغنائمية الغرق في هذه الصراعات الصغيرة على اقتسام ما تيسّر من وظائف السلطة اللامحورية كالولاة والمعتمدين، في انتظار الانفجار القادم، وهكذا دواليك.

لم يعد النظر الاستشرافي البعيد، والتخطيط الاستراتيجي، متاحا او مشغلا من مشاغل مؤسسات الحكم على تعددها، فالبرلمان سرعان ما سيعود الى لوائح عبير الهامشية، وصراع الديكة، والصراخ والسباب والشتائم وبيانات الادانة المتبادلة والتصريحات النارية التي تطعم وسائل الاعلام التافهة الباحثة عن الاثارة، أما رئاسة الجمهورية فستجتاز بقدر من المرونة هذه الأزمة المحرجة التي مرّغت رأسها في الوحل، لكنها ستعود في المدى القريب الى اطلاق الصواريخ الكلامية والاتهامات الهلامية والشعارات الشعبوية، وأما الحكومة فسيذهب كل وزير الى وزارته ليقاتل وحده دون رؤية معينة او برنامج محدد، وسيكون الهم الحكومي ترقيع الثوب المهلهل الذي لم يعد يحتمل الترقيع وإطفاء الحرائق الصغيرة المندلعة هنا وهناك مناطقيا وقطاعيا. هذا هو التقدير الأكثر واقعية، مع أمل في تحقق المعجزة الرباّنية.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP