ماذا “يريد ” الرئيس قيس سعيد ؟
هشام الحاجي
لا شك أن صمت قيس سعيد الذي تدثر بشعار نبيل و هو ” الشعب يريد ” قد أغرى اعداد هامة من التونسيين و التونسيات بانتخابه إذ رأوا في ذلك مؤشرا على أن الرجل سيدشن قطيعة أضحت ضرورية مع ممارسات نخبة سياسية لم تحسن إلا الصخب و لم تبدع إلا في اجتراح ” المناورات المتدنية ” و الخضوع لحسابات بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة.
و لكن حصيلة ما يقارب السنة من تولي قيس سعيد رئاسة الجمهورية تترك الجميع على جوعهم و تعطشهم.ذلك أن قطار الإنجاز لم يغادر محطة الانطلاق و اتضح أن رئيس الجمهورية قد تخلى عن كل ما قد راكمه اسلافه الذين تولوا رئاسة الجمهورية من مكاسب حتى و إن اعتبرها البعض محدودة .
بل أنه تجاوز ذلك في الأيام الأخيرة إلى حد الانخراط في ما يشبه “الانقلاب” على قراراته و توجهاته و هو ما تجلى في ما رشح من تطلع رئيس الجمهورية إلى أن لا تحظى الحكومة التي إختار بنفسه رئيسها و كانت له الكلمة العليا في ” انتقاء ” أعضائها بثقة مجلس نواب الشعب.
و هو ما يطرح أكثر من سؤال حول النوايا الحقيقية لرئيس الجمهورية و حول الرؤية التي تقوده و خاصة حول آليات إتخاذ القرار في قصر قرطاج. ذلك أن حجب الثقة عن حكومة هشام المشيشي يفتح الباب أمام المزيد من عدم الإستقرار.
سواء من خلال تضخم إمكانية اللجوء إلى إنتخابات تشريعية سابقة لأوانها أو الإبقاء على إلياس الفخفاخ الذي يتأكد يوما بعد يوم أن دخوله إلى قصر الحكومة بالقصبة مثل واحدة من أكبر الأخطاء الكارثية لما بعد 14 جانفي 2011 .
ارتباك رئيس الجمهورية يعني عدم وضوح الرؤية و يعني أيضا أن شعار ” الشعب يريد ” قد يكون تحول واقعيا إلى ” الحاشية تريد ” و هو ما لا يمثل بكل تأكيد مدعاة اطمئنان على المستقبل بل على صورة رئيس الجمهورية ذاته و هو ما يتجلى في ارتباك مواقفه خاصة في الأيام الأخيرة.
و من باب الإنصاف فإن حالة الارتباك و غموض الرؤية لا يتحمل مسؤوليتها رئيس الجمهورية بمفرده بل كذلك أهم الأحزاب السياسية الفاعلة التي أخذت في الابتعاد منذ سنوات عن المعاني النبيلة للفعل السياسي لتقع في شراك ” الدرجة الصفر ” من الفعل السياسي فتحولت المناوارت الصغرى و التغافل عن الفساد و تغليب الاعتبارات الذاتية إلى ” الهدف الأساسي ” لأبرز الأحزاب و الشخصيات السياسية.
و تكفي الإشارة هنا على سبيل الذكر لا الحصر إلى الحسابات الخاطئة لراشد الغنوشي في الإنتخابات الرئاسية أو عند تكليف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة إذ اعتقد ان فشل مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو يخدمه فلم ينخرط في دعمه بالطريقة المثلى و “توهم ” أن سقوط حكومة الحبيب الجملي سيمنحه أوراق ضغط إضافية.
اليوم و قبل ساعات من جلسة منح الثقة لحكومة هشام المشيشي فإن الغموض يبقى سيد الموقف في ظل هيمنة حسابات الكواليس و طغيان الاعتبارات الإيديولوجية و أيضا منطق ” صراع الديكة ” الذي يحرك عددا من القيادات السياسية.
و ينعكس سلبيا على المناخ السياسي إذ يبدو أن رغبة البعض في تمديد صلوحية إلياس الفخفاخ في القصبة تعود إلى اعتقادهم أن ” تجربته السياسية ” تجعله الأقدر على دعم توجه رئيس الجمهورية لمواجهة حركة النهضة و استهدافها خاصة و أن انحدار هشام المشيشي من الإدارة قد يجعله لا يقبل المضي في ممارسات قد تنهي ما تبقى من منطق الدولة و خاصة حيادية الإدارة.
يجد هشام المشيشي نفسه في وضعية ارتهان لصراع لم يكن لحد الآن طرفا فيه و في وضعية تهدد مستقبله السياسي دون أن نعرف كيف سيتصرف معها و ما هو مستقبل حكومته لأن هيمنة منطق الحسابات السياسوية و الخوف المتبادل بين الفاعلين السياسيين و غياب منطق صرامة الدولة التي يمثل القانون أساس اشتغالها لا يهدد حكومة هشام المشيشي فقط بل يهدد مستقبل البلاد برمتها.
Comments