مارادونا: يد الله في ذمة الله
هشام الحاجي
إذا كانت كرة القدم تمثل في نظر المغرمين بها كوكبا فإن دياغو ارماندو مارادونا يمثل لوحده أكبر قاراتها. كان كل ما في مسيرته الرياضية و في تفاصيل حياته منذ أن تحول إلى نجم الرياضة الشعبية الأولى في العالم و حتى غادر الحياة استثنائيا و مثيرا للجدل.
دياغو ارماندو مارادونا عصي عن التصنيف و عن أن يحشر في زاوية التعريفات الحدية و المتعارف عليها. لم يكن لاعب كرة قدم فقط رغم أنه تربع على عرشها بل فنانا طوع الجلد المدور لرسم لوحات هي أقرب إلى السحر لأن فيها الكثير من تحدي قوانين الطبيعة التي تفرض سلطتها على تحرك الأجساد الحية و الجماد .
ماردونا أخرج كرة القدم من رياضة تحكمها الرسوم التكتيكية و جعلها نصا مفتوحا على كل الاحتمالات. ماردونا هو ” إله الكرة ” في نظر ” مريديه ” و المؤمنين بأنه خلق بالكرة ما لم يسبقه إليه أحد و يصعب أن ينسج على منواله من سيأتي بعده و هو في نظر ” كارهيه ” الشيطان الذي أساء لنبل هذه الرياضة باليد التي انتقم بواسطتها من انقلترا التي ألحقت قبل أربع سنوات من موقعة المكسيك في صائفة 1986 هزيمة عسكرية مذلة بالجيش الأرجنتيني.
مارادونا الذي يمثل في لحظات مجده و انكساره كل ما يمكن لكرة القدم أن تمنحه لممارسيها و المغرمين بها من إحساس بالفخر و الكبرياء و أيضا الانكسار و المذلة و لم يحاول إخفاء تفاصيل قد تبدو للكثيرين صادمة و لكنه عاشها و أبرزها لأنه لم يشأ أن يكون يوما من ” الأسوياء سياسيا ” .
كان صدى تطلع الطبقات الشعبية لعالم أفضل و لتمسك شعوب أمريكا اللاتينية بحقها في وضع حد لنظرة واشنطن لها كحديقة خلفية لنفوذها و هو ما جعله صديق فيدال كاسترو و هوغو شافيز و دانيال اورتيغا و من المعجبين بشي غيفارا هذا دون أن ننسى مساندته للحقوق الفلسطينية.
مارادونا حول مشاهدي كرة القدم إلى عشاق حسب عبارة محمود درويش و كان أيضا بطلا يلبي حاجة كل باحث عن بطل. مارادونا غير موازين القوى في إيطاليا معقل كرة القدم في العالم. رسم ملحمة غير مسبوقة في نابولي إذ تحول إلى قائدها الذي رد اعتبارها و ” انتقم ” لها من قرون من ” هيمنة ” روما و ” الشمال.
أعاد مارادونا من خلال رحلته المشوقة مع جمعية نابولي كتابة تاريخ ” الكالشو ” بأن ألحق فريق ” الجنوب ” بسجل الألقاب و التتويجات الذي ظلت ” محرومة ” منه لعقود و سمح لجماهير نابولي التي انتقلت وراءه من ملعب إلى آخر باكتساح رمزي لمدن كانت تنظر لأبناء نابولي بشيء من التعالي و والاحتقار.
فقد ساهم في إعادة صياغة قواعد الوحدة الإيطالية فكان في نظر الكثيرين ” غاريبالدي ” القرن العشرين و كان أيضا ” قطاعا اقتصاديا ” قائما بذاته في نابولي إذ جلب السياح و ساهم في تنشيط صناعات صغرى و حرف يدوية تمحورت حول صورته و إنجازاته التي منحت نابولي مكانا تحت الشمس…
Comments