الجديد

ماكرون ل “الجزيرة” .. “لا تراجع على الحرّية ولا على محاربة الإرهاب الإسلاموي”

  • فرنسا ضحية الإرهاب، ونحن نُحارب الإرهاب ” الإسلاموي”  وليس الإسلام

  • فرنسا دولة تقوم على الحرية، حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية الرسم

  • أتفهم مشاعر المسلمين من الرسوم المسيئة للرسول

  • وظيفتي هي ضمان الحريات كل الحريات للشعب الفرنسي

  • المسلمون هم أول ضحايا الإرهاب الإسلامي

  • لا أفهم، ولا أقبل أي تبرير مباشر أو غير مباشر للعُنف

  • لتركيا أحلام إمبراطورية هي سبب توتر الأوضاع في المنطقة

المهدي عبد الجواد

في لقاء تلفزي مُطوّل، تكلّم الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون لقناة الجزيرة القطرية، وعاد على قضايا الساعة، خاصة ما يتعلّق منها بالإرهاب الذي ضرب فرنسا، و ربطه بالرسوم المسيئة للرسول محمد /ص/ وبحملات المقاطعة للبضائع الفرنسية التي يُنادي بها البعض ردّا على ما أعتُبر “موقفا رسميا فرنسيا مُعاديا للإسلام”.

اختيار ماكرون لقناة الجزيرة القطرية أمر مدروس لأنها إحدى أكثر القنوات تأثيرا في الرأي العام الإسلامي و توجهاتها القريبة من التيارات الإسلامية معروفة، وهو أمر بدأ به الرئيس الفرنسي كلامه، إذ أشار إلى كونه اختار “الجزيرة” لان لها دورا في نشر الكثير من المغالطات حول مواقفه ومواقف فرنسا من الإسلام، و خاصة لكون متابعيها في مواقعها الالكترونية ينشرون ذلك.

واخترنا في موقع “التونسيون” ان ننقل بعضا مما ورد في الحوار الهام بعد الانصات اليه بلغته الفرنسية وبالعودة أيضا الى بلاغ صحفي مطول صادر عن قصر الايليزيه بباريس.

حوار ماكرون بدا لنا حوارا عميقا فلسفيا، كان توضيحا لطبيعة النظام الجمهوري اللائكي الفرنسي، وتحديدا لخطوط التماس بين الإرهاب بوصفه ظاهرة عنيفة تمسّ كل الشعوب والدول والذي تتوجب مكافحته بكل قسوة، وبين الدين بوصفه ممارسة ومعتقدا شخصيا وخاصا، لا يُمكن ان يكون مجالا للتفرقة في الفضاء العام، ولا معيارا لتراتبيّة مواطنيّة. كما أكد الرئيس الفرنسي على كون الحرية هي حقّ مقدّس لا يحق لأي كان المساس به تحت أي ذريعة مهما كانت.

فرنسا ضحية لارهاب “اسلاموي”

أكد ماكرون في البداية كون “فرنسا ضحية لإرهاب مُتطرّفين عنيفين باسم الإسلام. فرنسا مصدومة، يتداخل عندها الغضبُ مع الحُزن والغضب، ولكن وعيا بالوحدة يُجمّعُها. هذا يتزامن مع حملة دولية تتعرض لها فرنسا، حملة قائمة على مغالطات يأتي هذا الحوار لتوضيحها. فرنسا دولة تقوم على حرية المُعتقد، حرية ان تؤمن تماما مثل حرية ان لا تؤمن، هي دولة لائكيه، واللائكيه مفهوم مُعقّد يُثير الكثير من سوء الفهم. الجميع في فرنسا، بقطع النظر على دياناتهم لهم نفس الحقوق السياسية والمدنية. وليست لفرنسا مشاكل مع أية ديانة، لان كل الديانات والمعتقدات تُمارسُ شعائرُها بحريّة في فرنسا بما في ذلك الإسلام. فرنسا دولة مُتمسّكة بالسلام وثقافة التسامح، حيث يعيشُ الجميع معا بقطع النظر على دياناتهم”.

وتوجّه ماكرون برسالة “أريدها أن تكون واضحة وصريحة، ضد كل هؤلاء المتطرفين العنيفين، ولكنها في نفس الوقت رسالة سلام ووحدة”.

مغالطات .. وتوجيه للراي العام

وفي رده على سؤال الصحفي حول ما يتعرض له المسلمون من عُنف خاصة صدمتهم من الرسوم المسيئة للرسول التي جرحت مشاعرهم، كان الرئيس الفرنسي واضحا. بقوله “هذه إحدى المُغالطات الكُبرى، وهي مصدر عمليات توجيه الرأي العام. أُذكّر أن قضية الرسوم ليست جديدة، فقد جرى الأمر نفسه منذ خمسة عشر سنة مع الدنمارك التي تضامنت معها فرنسا، وهو يجري اليوم مع فرنسا. لفرنسا تاريخها، تاريخُنا خلق فضاء عاما مُستقلّا عما هو ديني. وهو ما نُسميه عادة اللائكية. فلفرنسا تاريخ كاثوليكي. ولكننا صُغنا قوانيننا ثمرة لعصور التنوير. وهي قوانين تُعبّر على روح هذا الشعب الفرنسي الحرّ وإرادته. في قوانيننا ومبادئنا وحقوقنا تكمن حرية كل فرد مناّ، ولكن أيضا فيها حرية الضمير والمعتقد والتعبير.

في فرنسا يحقّ لكل صحفي أن يتكلّم بحرية على رئيس الجمهورية وعلى الحكومة، وان ينتقد الأغلبية الحكومية والأقلية، وان يتحدث بحرية على بقية العالم. وفي حرية التعبير تكمن ايضا حرية الرسم والكاريكاتور. هذه حقوقنا. إنها مسالة تاريخية تعود الى نهايات القرن التاسع عشر، ومن المهم الدفاع عليها، لان ذلك هو ما يُريدُه الشعب الفرنسي في بلاده ذات السيادة.

الرسوم الساخرة تسخر من الجميع

الرسوم الساخرة في جرائدنا، تسخر من السياسيين وانا أولهم، وهذا أمر عادي، وثمة سخرية من الكثير من الديانات، كل الديانات. و”شارلي هيبدو” نفسُها سخرت من اله المسيحيين ومن الديانة اليهودية ومن الأحبار اليهود. ومنذ سنوات كان ثم رسوم ساخرة من النبي محمّد ومن الإسلام. أتفهّم شخصيا المشاعر التي أججتها الرسوم، وأحترمها ولكن عليكم ان تعرفوا وظائفي كرئيس جمهورية.

دوري هو التخفيف من حدّة هذا التوتر، ولكن في نفس القوت حماية الحقوق. ثمة فرق كبير بين أمرين على كل المسلمين الذين جُرحت مشاعرهم إدراكه. ليس السؤال هو معرفة هل ان فرنسا وممثلها الرئيس الفرنسي هي التي رسمت هذه الرسومات او تتبناها؟ ليس هذا هو الموضوع، لان الصحافة حرّة. هي ليست جريدة رسمية، وليست الحكومة الفرنسية هي التي رسمت ذلك. لكن السؤال هو ان كان رئيس الجمهورية يوافق على إلغاء هذا الحق (في حرية الرسم)، إن الجواب هو لا. لأنه حق الشعب الفرنسي كلّه.

الأهم من ذلك هو دوري، في حماية هذا الحقّ، وأريد ان يتم ذلك في كنف الاحترام المتبادل. ثمة أمران لا أقبلهما، الأول هو إيهام بعض السياسيين وبعض رجال الدين بكون الرئيس الفرنسي والحكومة الفرنسية، وراء هذه الرسومات، فهذا قطعا ليس صحيحا، فأنا موجود لحماية الحقوق وهو ما سأقوم به دائما. والثاني، هو تبرير العُنف. العُنف الناجم على هذه الرسوم باي شكل مباشر أو غير مباشر.”

سأدافع دائما في بلادي على حرية التعبير والكتابة والتفكير والرسم

ثم أضاف ماكرون في معرض رده حول علاقة الإسلام بالعنف ” لست فقيها ولا عالم لاهوت. ولكني لم أفهم كيف أن الإسلام يُبرّر أو يدعم اللجوء إلى العنف مهما كان. وعليه فبقدر ما أتفهم صدمة البعض من هذه الرسوم، فإني لن اسمح أبدا بجعلها مطية لتبرير العنف المادي. وسأدافع دائما في بلادي على حرية التعبير والكتابة والتفكير والرسم. ولا يعني ذلك أني أتبنى كل ما يُقال أو يُكتب أو يُرسم، ولكن ذلك يعني أن دوري هو حماية الحرية وحماية إرادة الشعب الفرنسي وحقوق الإنسان التي تم التفكير فيها وابتداعها والتعلق بها في فرنسا.

كان هناك خطأ في الترجمة. فلم اقل البتة أني ادعم الرسوم المسيئة لرسول. هذا خطأ..ولكني لست مستعدا لان اخلق في بلادي محكمة أخلاق أو محكمة دينية، أنا أؤمن بمشروع التنوير، وأنا مع حرية التعبير والمعتقد والرسم.”

وعاد ماكرون للإرهاب، فبين أن فرنسا “تُحارب الإرهاب، الذي ذهب ضحيته ثلاثمائة 300 منهم أجانب يعيشون في فرنسا. هذا الإرهاب يتم باسم الإسلام وهو كارثة على المسلمين في جميع إنحاء العالم، حيث أن 80% ، من ضحاياه في الأربعين سنة الأخيرة هم من المسلمين أنفسهم” وقد أشار ماكرون إلى الإرهاب الذي ضرب تونس والجزائر. وعاد الرئيس الفرنسي لإثارة الخلط فيما يتعلق بمقاومة “الإسلام الراديكالي” في فرنسا. فقال ” هم المتطرفون العنيفون، الذين يرتكبون الجرائم باسم الإسلام، ومن الخطأ جعل محاربتهم محاربة للإسلام نفسه. إذ أن ملايين المسلمين يعيشون في فرنسا ونحن لا نُحاربهم، هم مواطنون لهم كامل الحقوق ويرغبون في العيش بسلام، هم ليسوا إرهابيين. الإرهابيون يمنعون الأطفال من الالتحاق بالمدارس، يغسلون أدمغتهم ويُبرّرون لهم العنف، ولهم صلات مع تنظيمات إرهابية بالخارج. وسنقوم بمنعهم من القيام بذلك، سنتتبع تمويلاتهم المرتبطة بشبكات الإرهاب، وسنحرص على كون كل مواطن، مهما كانت ديانته يحترم قوانين الجمهورية.”

لتركيا أحلام إمبراطورية في المنطقة

و في معرض رده حول طبيعة العلاقة مع تركيا بين الرئيس الفرنسي أن “الأمر يعود للرئيس التركي. فانا أؤمن بالصداقة والاحترام. ولم اشتم أي مسؤول دولي. فأنا شخص محترم، واحترم إرادة الأتراك الذين انتخبوه، واحترم تركيا. الشعب التركي شعب عظيم، شعب علوم ومعارف وانفتاح، وتربطنا به علاقات بحث علمي وتبادل أكاديمي وتاريخي، هو نفسه استلهم من تاريخنا. لكن ما الذي يجري اليوم؟؟

لتركيا أحلام إمبراطورية في المنطقة. وهذه الأطماع ليست امرأ جيدا لاستقرار الأوضاع في المنطقة” وعرّج الرئيس الفرنسي على ما جرى في سوريا، حيث وقفت تركيا ضد حلفاء فرنسا وأمريكا من القوى الديمقراطية والكردية التي شاركت في الانتصار على داعش، واحتلال تركيا لشمال سوريا دون احترام لسيادتها. ونفس الشأن في ليبيا حيث لا تحترم تركيا القرارات الدولية ولا مخرجات المفاوضات و كذلك الشأن في حوض المتوسط الشرقي في علاقة بالنزاع مع اليونان.

حوار ماكرون بدا لنا حوارا عميقا فلسفيا، كان توضيحا لطبيعة النظام الجمهوري اللائكي الفرنسي، وتحديدا لخطوط التماس بين الإرهاب بوصفه ظاهرة عنيفة تمسّ كل الشعوب والدول والذي تتوجب مكافحته بكل قسوة، وبين الدين بوصفه ممارسة ومعتقدا شخصيا وخاصا، لا يُمكن ان يكون مجالا للتفرقة في الفضاء العام، ولا معيارا لتراتبيّة مواطنيّة. كما أكد الرئيس الفرنسي على كون الحرية هي حقّ مقدّس لا يحق لأي كان المساس به تحت أي ذريعة مهما كانت.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP