ما الذي تغير بين رئاسيات 2014 و رئاسيات 2019 ؟
كتب: هشام الحاجي
تتعدد الزوايا التي يمكن الانطلاق منها عند مقاربة الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها و التي انطلق بعد ضبط القائمة الاولية للمترشحين عدها التنازلي . و بعيدا عن استعراض قائمة المترشحين و محاولة التفريق بين الجديين و غير الجديين لمنصب رئاسة الجمهورية يمكن التوقف عند ما يمكن اعتباره تغيرا في التعاطي مع هذا الاستحقاق بين اكتوبر 2014 و سبتمبر 2019.
لا شك ان اول ما يلفت الانتباه في محاولة المقارنة غياب الرئيس الباجي قائد السبسي الذي كلن اللاعب الاساسي و المحوري في انتخابات 2014 بل يمكن القول ان هذه الانتخابات قد تمحورت حوله و حول ما اظهره من قدرة على المناورة و التجميع و ابقاء شعرة معاوية في مناي عن القطع بينه و بين حركة النهضة .
انتخابات 2014 جرت في مناخ سياسي و ايديولوجي اقل ما يقال عنه انه عرف حالة غليان غير مسبوقة و هي الحالة التي اعقبت “اجبار الترويكا” على الاسراع بإتمام كتابة الدستور و وضع حد لحالة تمطيط المرحلة الانتقالية .
و لكن رغم حالة الاستقطاب الحادة فان انتخابات 2014 قد جرت في حالة من التعبئة الشعبية التي تقلص وهججها حاليا و هي تعبئة ساهمت في اجراء انتخابات رئاسية في دورتين من ناحية و في دفع اهم الفاعلين الى التفكير في صيغة التوافق كأسلوب لتسيير الشأن العام بعد اكتوبر 2014 .
انتخابات 2019 يخوضها الجميع و قد تركوا فرضية التوافق بعد صدور النتائج خلفهم و هو ما يعني امرين على الاقل و هما انهاء العمل بما تم الاتفاق عليه في اجتماع باريس الشهير الذي جمع في صائفة 2013 بين الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي و الاقرار بفشل صيغة التوافق التي قد تكون جنبت تونس الانزلاق نحو العنف و لكنها لم تمكن المؤسسات من الاشتغال بالطريقة المثلى مما ادى الى تعطل مسار التنمية و الى اعلان الباجي قائد السبسي قبل اكثر من عام عن نهاية التوافق متهما حركة النهضة بانها قد استغلت بعد ان “خلا لها الجو ” بان “تبيض و ان تفرخ” و هو ما جعل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يخرج ليقول بان “عصر تنازلات النهضة قد انتهى” .
نهاية التوافق بين “النهضة” و “نداء تونس” انعكست على الترشحات للانتخابات الرئاسية اذ دفعت حركة النهضة لان تقدم مرشحا بعد ان اكتفت في الانتخابات السابقة بدعم ضمني لمنصف المرزوقي في الدور الاول و بحياد رسمي لم يقنع الكثيرين في الدور الثاني .
لا شك ان هذا الظهور لا يمكن عزله عن ابتعاد حركة النهضة في السنوات الاخيرة عن حلفاء الامس بعد ان اصبح تحالف 18 اكتوبر 2005 مجرد ذكرى و بعد ان انعدمت كل امكانية تواصل مع “التكتل” و “المؤتمر” اللذان انهكتهما تجربة “الترويكا” .
من مظاهر التغير بين انتخابات 2014 و انتخابات 2019 تغير نوعية الحكومة التي تتولى الاشراف على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي .
فقد اشرفت “حكومة التكنوقراط ” التي تراسها مهدي جمعة على انتخابات 2014 و لم يترشح رئيسها احتراما لخريطة الطريق التي كانت وراء تكليفه برئاسة حكومة التكنوقراط المستقلة عن كل الاحزاب السياسية .
رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد مترشح للانتخابات الرئاسية و يعتبر انه قادر على الترشح و توفير من خلال موقعه كرئيس للحكومة شروط التنافس الشفاف و النزيه بين كل المتنافسين .
انتخابات 2014 لم تشهد مشاركة رؤساء حكومة سابقين في السباق الانتخابي الرئاسي في حين تشهد الانتخابات الحالية مشاركة رئيسين سابقين للحكومة و هما مهدي جمعة و حمادي الجبالي الى جانب رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.
من مظاهر التغير بين الموعدين غياب شخصيات عملت في مواقع متقدمة مع الرئيسين الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي اذ غيب الموت الباجي قائد السبسي و فضل منذر الزنايدي و عبد الرحيم الزواري و كمال مرجان عدم تجديد الكرة والتخلي عن فكرة الترشح.
و من مظاهر التغير بين 2014 و 2019 تحول اصدقاء الامس الى متنافسي اليوم . فقد انفرط عقد “نداء تونس” و هو ما ادى الى ترشح من كانوا يستظلون بالأمس بقبعة الباجي قائد السبسي و هو ما جعل يوسف الشاهد و ناجي جلول و عبد الكريم الزبيدي و سعيد العايدي و محسن مرزوق و نبيل القروي في وضعية تنافس قد تخرج عن حدود الصداقة و الاخوة .
الجبهة الشعبية لم تسلم من هذه الظاهرة و هو ما جعلنا نعيش على وقع ترشح كل من حمة الهمامي و منجي الرحوي و عبيد البريكي.
و لم تكن “النهضة ” بأفضل حال اذ سيتنافس عبد الفتاح مورو و حمادي الجبالي و هو ما يعتبره البعض مؤشرا على التحولات التي ستعيشها الحركة قريبا.
هشام الحاجي
Comments