ما بعد غزة: ھل يوقف العرب و المسلمون تعنت الكيان الصهيوني؟
هشام الحاجي
لا شك أن الشعب الفلسطيني، ما انفك يقدم منذ عقود دروسا في الصمود و التمسك بحقوقه، المشروعة، وھو الذي يواجه أعنف و أعتى و أكثر استعمار عرفته الانسانية منذ قرون، ولا يمكن فھم ما يقدمه ابناء و بنات غزة من تضحيات ، منذ سنة و نيف خارج ھذا الإطار، و تساوق ھذا الصمود مع قوانين الاجتماع الانساني، و دروس التاريخ ھي التي تجعل اندحار المشروع الصھيوني أمرا حتميا و مسألة وقت.
لكن بقدر ما يبدو من الضروري التوقف عند دروس الصمود و المقاومة التي يجترحھا الشعب الفلسطيني، و عند الشروخ التي أخذت تظھر في المستوى المجتمعي للكيان الصهيوني، بقدر ما يبدو مفيدا أيضا استحضار معطيات لا يمكن التعتيم عليھا، حتى و ان كانت بعض وسائل الإعلام و القوى المؤثرة، في العلاقات الدولية تعمد الى التعتيم عليھا.
أول ھذه المعطيات ھو أن ” طوفان الأقصى ” قد تحول حاليا إلى حرب إبادة، يمارسھا الكيان الصهيوني، بكل ما أوتي من قوة تجسيما لما يقوم عليه، من وحشية و ھمجية و عنف و أيضا تحضيرا لما بعد الحرب في غزة، و التي يريد أن تكون لصالحه .
ثاني ھذه المعطيات، ان الفلسطينيين لا يواجھون في الواقع الكيان الصهيوني، بل ھم في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. و ھذه الحرب مشروعة من الجانب الفلسطيني، و لكن يبدو واضحا ان واشنطن لن تقبل باندحار الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر.
راھنت قوى المقاومة و لا تزال على استنزاف الكيان الصهيوني، و ھذا الرھان مشروع و منطقي ، و لكن كل المؤشرات تفيد أنه لا يمكن للمواجھة الحالية أن تأتي على الكيان و جيشه بسرعة، بل يحتاج الأمر إلى سنوات و إلى سياق فلسطيني و عربي و دولي مغاير للسياق الحالي، بما فيه من انقسام و انعدام الحد الأدنى من التنسيق بين العرب، ھذا دون أن ننسى أن واشنطن تواصل لحد الان الھيمنة على مسارات و مصائر العلاقات في المستوى الدولي.
و إذا كانت دعوة الفلسطينيين، من مواقع مريحة و بعيدا عن ساحات الحرب و الوغى ، تبدو في نظر البعض دليل مبدئية و تمسك بالثوابت، فإن حجم المعاناة التي يكا بدھا حاليا اھل غزة، تمثل دافعا للعمل من أجل وقف النار و العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولا، ثم في كل مستويات الساحات و الدوائر المعنية بإسناد الشعب الفلسطيني و مناھضة الكيان الصهيوني.
ھناك مكاسب مھمة سواء من حيث صمود الشعب الفلسطيني أو ارتفاع عدد الھاربين من الكيان الصهيوني إلى دولھم الاصلية في أوروبا و أمريكا الشمالية، علاوة على تنامي حضور فلسطين في فضاءات المعارضة و الرفض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
حين نضيف قرارات المحكمة الجنائية الدولية بتتبع مجرمي الحرب نتنياھو و غالانت ندرك ضرورة استثمار ھذا المناخ لخلق رأي عام عالمي داعم للحقوق الفلسطينية، حتى يتم التصدي للثنائي الصھيو- أمريكي، خاصة و أن دونالد ترامب لا يخفي انحيازه المطلق للكيان الصهيوني.
و ھذا الانحياز سيترجمه إلى سياسات و تمش قوامه العمل على تصفية القضية الفلسطينية، من خلال اعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لتطبيق مخطط ما يسمى ” ضم الضفة الغربية ” .
ھذه المعطيات اعتبرھا ضرورية لقراءة مبادرة القمة العربية الاسلامية التي احتضنتھا منذ أيام العاصمة السعودية الرياض. مثلت هذه القمة إعادة إحياء لمبادئ التكامل و التضامن بين الدول العربية و الدول الإسلامية، و ھي أيضا تأكيد للدور المتنامي للمملكة العربية السعودية في ھذا المجال، و أيضا في علاقة بالقضية الفلسطينية، و ھي التي سبق و أن قدمت مبادرة وضعھا الملك فھد و تبنتھا الدول العربية.
حضور كل من سوريا و الجمھورية الإسلامية الايرانية قمة الرياض الأخيرة، دليل على وجود مشاورات و أيضا انفراج ما انفك يزداد بين الرياض و طھران و أيضا دمشق، التي تبقى لاعبا لھا دور وازن في الصراع العربي- الصھيوني، علاوة على ان طھران و دمشق يمثلان قلب ” محور المقاومة ” .
ھذا يعني أن مخرجات القمة العربية الاسلامية التي عبر عنھا بيانھا الختامي الصادر يوم 11 نوفمبر تعبر عن رؤية الدول العربية و الإسلامية للحل المرحلي للصراع العربي- الصھيوني و ھو حل الدولتين .
و لا شك أن انعقاد النسخة الثانية للقمة العربية- الاسلامية، في ھذا الظرف بالذات ھو خطوة مھمة تحسب للمملكة العربية السعودية، التي تحركت كثيرا في الاشھر الاخيرة، و وسعت من خلال تطوير علاقاتھا مع طھران و بكين و موسكو من ھامش الممكن انجازه بالنسبة للدول العربية.
Comments