الجديد

ما بعد 25 جويلية .. الانتظار الكبير

هشام الحاجي

لا شك أن المشهد السياسي قد عرف منذ 25 جويلية الفارط تغيرا لافتا تجلى في نقاط قطعت إلى حد كبير مع ما أخذ التونسيون ” يتعودون ” عليه منذ 14 جانفي 2011 . عادت ” السلطة ” و القرار إلى قرطاج بعد رحلة تيه لم تكن مفيدة بين ” القصور ” و ” الرؤساء “.

كما توارت الأحزاب السياسية و قياداتها عن المشهد بعد أن احتكروه لسنوات. ساد شعور بالارتياح من أن مسار التهاوي الحر الذي دخلت فيه البلاد قد توقف و حل الشعور بالأمل و التطلع الإيجابي للمستقبل محل الإحباط و وقع ” تعليق ” العمل بالدستور اعتمادا على فصل في الدستور .

لاشك أن السياسة تمثل ” ظاهرة مجتمعية كاملة” لا تحتكم للقانون وحده بل إلى محددات أخرى من أهمها أخذ عامل الزمن بعين الاعتبار و أيضا خضوعها لالزامية النتيجة التي تمثل عامل الضغط الأساسي على كل من يتصدى لأعباء الحكم.

و إذا كان قيس سعيد قد احسن ” اقتناص ” اللحظة المناسبة لتحييد “خصميه اللدودين ” راشد الغنوشي و هشام المشيشي فإن ملفات أعقد تنتظره و تتطلب منه أن يحدد ” الإيقاع المناسب ” لتفكيك مكوناتها و الخروج منها بقرارات و إجراءات معلومة لأن ” تغذية الغموض ” و اعتماد أسلوب ” القطرة قطرة ” في إتخاذ القرار يمكن أن يدعم صورة شخصية معارضة و لكنه لا يساعد شخصا يتصدى لأعباء الحكم إذ يعطي الانطباع أنه متردد أو أنه عرضة لضغوط قوية و متباينة أو أنه ينوي ” مباغتة” الجميع بتوجهات غير مفهومة و في كل الحالات فإن ذلك يمس من صورته و من ثقة المتعاملين معه.

و من هذه الزاوية فإن قيس سعيد يمثل من الناحية الفلسفية شخصية إشكالية بامتياز و بالمعنى الإيجابي للكلمة لأنه يجد نفسه مدعوا ، بحكم خطابه و تصوره لذاته و لدوره و لتطلعات مناصريه ، مدعوا للحسم في خيارات متراكمة منذ عقود في حيز زمني وجيز نسبيا إذ أخذت تنفذ قدرة التونسيين على الإنتظار.

أول الإشكاليات هي كيفية التعامل مع العشرية الأخيرة إذ لأول مرة يأتيها النقد القوي و ” ضرب مؤسساتها ” من داخلها و من شخصية اعتبرها خصوم اليوم تجسيدا للتوجه ” الثوري ” فهل أن ما سيقوم به قيس سعيد يمثل منعرجا إيجابيا في مسيرة ” الثورة ” التونسية أم أنه سيؤدي إلى إغلاق ” القوس” و إنهاء ما يعتبره البعض ” الاستثناء التونسي”.

اللحظة التي تولى فيها قيس سعيد الإمساك بكل خيوط اللعبة هي أيضا لحظة تنامي الصراعات و الرهانات الإقليمية و الدولية و إذا كانت “ترويكا 2011 ” هي التي قذفت بتونس في أتون صراع المحاور فإن قيس سعيد يجد نفسه اليوم في لحظة إختيار صعبة و مكلفة خاصة و أن الوضع الإقتصادي الصعب و الغرق في مستنقع المديونية يجعل من الصعب التمسك باستقلالية القرار إلى ما لا نهاية و لكن إلى أي حد يملك قيس سعيد القدرة على اللعب على تناقضات القوى الدولية و خاصة على ” التناقضات الحياتية ” داخل البيت العربي في حد ذاته.

و هناك أيضا النظرة التي يكونها قيس سعيد عن ذاته و التي قد تكون مفيدة في ” تحشيد الجموع ” و لكنها قد تتحول إلى عائق كبير في التعامل مع الداخل و الخارج. ذلك أن الشحنة الأخلاقية الهامة التي تحركه قد تجعله راغبا في الإطلاع على أدق التفاصيل و ساعيا لأن يؤثر في كل قطاع.

لكن هذه الرؤية تلغي تدريجيا دور الإدارة و المؤسسات و قد تؤسس لممارسة كليانية اذ يكون الخير الكامل في ما ” يراه” الرئيس و ” الشر المحض ” في من يخالف الرئيس و لا يخلو سجل المفردات التي يستعملها قيس سعيد في الفترة الأخيرة من إشارات دالة في هذا الصدد. و يرتبط تصور قيس سعيد لذاته برهان آخر قد يكون أخطر و أعمق و يتمثل في السياق الذي ينزل فيه ” حركته التصحيحية” هل هو السياق التونسي أم أنه من أجل ” إنقاذ الإنسانية ” .

الاكتفاء بالسياق التونسي أمر معقول و يمكن أن يحالف قيس سعيد فيه النجاح خاصة إذا ما أسرع بتعيين رئيس حكومة و الإعلان عن تاريخ الإنتخابات البرلمانية السابقة لأوانها و أما ” طوبى ” إنقاذ الإنسانية فلا يمكن إلا أن تقود إلى طرق محفوفة بالمخاطر خاصة و أن كل من أراد ” تصدير الثورة ” لم يجن إلا الفشل و عمق تخلف شعبه و هو ما لا يريده التونسيون لبلادهم

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP