متاعب الغنوشي في ازدياد .. من مونبليزير الى قصر باردو !
منذر بالضيافي
خرجت خلافات حركة النهضة للسطح، من خلال تواتر الاستقالات واخرها للمؤسس عبد الفتاح مورو، وتسريب نصوص و بيانات، وان اختلفت في “حدتها” فإنها تلتقي في مقارب نقدية لمسار الحركة الحالي، بقيادة “الشيخ” راشد الغنوشي. كما تحولت التناقضات الداخلية الى مادة اعلامية في الداخل والخارج، في “تقليد” يتعارض وطبيعة “الجماعة”، التي تحرص على الاحتكام لمقولة اساسية في أدبياتها وهي: “حق الاختلاف وواجب وحدة الصف”.
التحكم في التغيير .. “مجموعة الوحدة والتجديد”
في هذا السياق تم تسريب بيان لمجموعة من قيادات الحركة البارزين، والمحسوبين على “تيار الغنوشي” داخل الحركة، على غرار رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، ونورالدين العرباوي رئيس المكتب السياسي، بيان أمضته مجموعة أطلق عليها مسمى: “”مجموعة الوحدة والتجديد”، وهي تسمية لها دلالة تجعل منها أقرب الى المطالبة بالتغيير داخل اطار الاستمرارية.
لكنها تلتقي مع “الغاضبين” من نهج “الشيخ المؤسس” أو “المرشد”، في المطالبة بعقد المؤتمر 11 خلال السنة الحالية مثلما هو مقرر له سلفا، وعدم تنقيح القانون الداخلي، حتى لا يظفر الغنوشي بولاية جديدة، وبالتالي الترويج لإنهاء “ناعم” ل “هيمنة الشيخ” على الحركة، الذي بهذا البيان يكون قد أعد العدة لخلافة نفسه أي تسليم “القيادة” لجماعته، وذلك بعد حوالي نصف قرن من القيادة المستمرة والمتواصلة، ما يجعل الابقاء على دور “المرشد” وهو أهم في الجماعات الدينية مثل “الاخوان المسلمين” التي تسير على نهجها النهضة منذ التأسيس والى اليوم.
للإشارة، فقد كان المؤتمر الأخير للحركة (المؤتمر الوطني العاشر ماي 2016) معلنا عن هذه الخلافات، التي وان نجح المؤتمر في تطويقها ظرفيا، الا أنه لم يعمل غير على ترحيلها، ويبدو أن وقتها قد حان الان، في علاقة بقرب المؤتمر الحادي عشر، المقرر لنهاية السنة الجارية، والذي سيكون رهانه خلافة “مرشد” الحركة راشد الغنوشي، بعد رفض تنقيح القانون الداخلي لتمكينه من مدة رئاسية ثالثة، اذ ظهر تيار رافض بشدة للتمديد للغنوشي.
ضمن هذا الجدل بين قيادات الحركة وفي المنابر الاعلامية، و في خطوة غير مسبوقة تم تسريب بيان “مجموعة الوحدة والتجديد”، الذي قام تضمن عرضا للدور السياسي الذي قامت به الحركة في المشهد السياسي، خلال مرحلة ما بعد الثورة، وتحت قيادة زعيمها التاريخي راشد الغنوشي.
لكن البيان أشار – وهو المهم الى : ” تراكم بعض السلبيات والأخطاء خلال السنوات الاخيرة ، ومن ذلك الاضطراب الذي شاب الخط السياسي أحيانا، وضعف الأداء المؤسساتي والابتعاد عن الانضباط ، بما في ذلك من قِبل بعض الرموز والقيادات، وخروج الخلافات الداخلية عن نطاقها المقبول والمعقول”.
وتابع البيان أنه “لم يعد خافياً أنّ حركة النهضة تعيش على وقع خلافٍ داخلي ظل يتفاقم منذ المؤتمر العاشر سنة 2016، وهو خلاف ذو طبيعة تنظيمية بدرجة أولى، ممّا أنتج مناخات سلبية ساهمت في ارباك الحزب واهدار الكثير من الجهود والطاقات، كما أنّ ظهور هذا الخلاف في وسائل الإعلام والمنابر العامة مثّل تجاوزاً واضحاً لتقاليدنا الحزبية ومسّ من صورة الحركة الأمر الذي عمق الانطباع السلبي لدى الرأي العام عن الأحزاب والطبقة السياسية عامة”.
كما دعا البيان الى عقد المؤتمر العاشر خلال هذه السنة، وأن لا يتم تمكين الغنوشي من ولاية جديدة، مع الاحتفاظ به كرمز وكشخصية اعتبارية، يمكنه مرافقة ومصاحبة مسار الحركة القادم من موقع “النصيحة” طبعا لا “المسؤولية”، فهم منه “مناورة” هدفها التحكم في تصعيد القيادة المقبلة والابقاء عليها تحت سطوة “الشيخ”.
التحكم في التغيير .. الغنوشي “يورث” نفسه
في هذا السياق، و في محاولة اعتبرت بمثابة “التفاف” على الخلافات ، أعلن راشد الغنوشي منذ ايام عن حل المكتب التنفيذي، في مسعى اعتبره الكثيرون أن الغاية منه تهدف الى تأجيل المؤتمر المقبل للحركة، والمبرمج لنهاية السنة الجارية، الذي سينهي فترة رئاسة الغنوشي للحركة، خصوصا بعد “تمترس” عدد من القيادات “الوازنة”، بضرورة عقد المؤتمر في تاريخه أولا، ثم عدم المساس بالقانون الأساسي للحركة، الذي لا يسمح للغنوشي بالترشح لعهدة رئاسية جديدة.
ان المناخ العام داخل الحركة، اصبح ينذر بتفكك البناء التنظيمي، وسط رفض كبير وواسع هو بصدد التمدد، لغياب التسيير الديمقراطي وعدم الشفافية الادارية والمالية، التي كرست هيمنة راشد الغنوشي و المقربين منه على الحركة، وهو الذي استطاع “تصفية” كل خصومه، ما سمح له بالتربع على “عرش” الحركة، أكثر من نصف قرن.
توجه للغنوشي انتقادات شديدة ، تجاوزت البيت الداخلي، لتعلن عن نفسها بشكل علني في وسائل الاعلام، صاحبتها استقالات لرموز هامة في الحركة، على غرار حمادي الجبالي وعبد الحميد الجلاصي، و “انسحاب صامت” للشيخ مورو، تزامنت مع اعلان قيادات أخرى “التمرد” على سلطة الغنوشي القانونية – كرئيس منتخب – والرمزية – بوصفه المرشد التاريخي والمؤسس-، من أبرزها عبد الطيف المكي، وزير الصحة الحالي.
و يأتي بيان “مجموعة الوحدة والتجديد”، الذي تم تسريبه اليوم للإعلام، في “توقيت” تخضع فيه الحركة الى ضغط سياسي وبرلماني، فضلا عن كونها تعرف تراجعا في قدراتها “التعبوية” والجماهيرية، مثلما عبرت عن ذلك نتائجها في الاستحقاقات الانتخابية، اذ مرت من مليون ونصف ناخب سنة 2011 ، الى أقل من 500 ألف ناخب في الاستحقاق الانتخابي التشريعي لسنة 2019.
كما أنها عجزت عن ايصال مرشحها للرئاسة – عبد الفتاح مورو – للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وهو ما أعتبر نتيجة “مذلة” وأيضا تعبير عن عدم تحمس قيادة الحركة، بزعامة الغنوشي لإيجاد منافس له يتبوأ “مكانة” أفضل منه، وهو ما لا يسمح به “المرشد”، الذي أغوته مناصب الحكم و “بهرج” السلطة، من خلال دخوله غمار الانتخابات واعتلائه سدة رئاسة البرلمان، ليكون حاضرا في المشهد الصانع للقرار السياسي في الداخل، وليمارس من تحت “قبة باردو” دور خارجي، من خلال ما يسمى بالدبلوماسية البرلمانية، وفي هذا الصدد كانت تحركاته وارتباطاته واتصالاته الخارجية، محل نقد لا داخل البرلمان فقط بل في المشهد السياسي والاعلامي، وصل حد الدعوة لمساءلته وربما حتى الذهاب نحو المطالبة بسحب “التكليف” منه.
رئاسة البرلمان .. “الخطيئة” الكبرى
وان نجحت الحركة في ايصال رئيسها راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان، الا أن هذا “النجاح” تحول الى “خطيئة” كبرى، بسبب الرفض الشعبي وكذلك النيابي المتصاعد لرئاسة الغنوشي للبرلمان، وهو رفض ترجم في الجلسات العامة، التي قوبل خلالها “شيخ” الاسلاميين، بما يشبه “الصد” الذي وصل حد تعطيل أعمال قصر باردو، من قبل رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي استطاعت “ارباك” رئاسة راشد الخريجي للبرلمان، ما ساهم في نشر صورة سلبية عن مجلس نواب الشعب، سرعان ما تطورت الى دعوات منظمة و ممنهجة ل “اسقاط البرلمان”، الذي اصبح عنوان لفشل المنظومة السياسية والقانونية، التي جاء بها دستور 2014، و الذي “يفتخر” به مناضلي وقيادات وانصار الحركة الاسلامية.
مما تقدم، يتبين أن “متاعب” الغنوشي” قد تزايدت وتضاعفت خلال الفترة الأخيرة، داخل الحركة وخارجها، والذي نجم عنه حصول ارتباك في القرارات والسياسات، مثلما اشار الى ذلك بيان “مجموعة الوحدة والتجديد”، وهو “فشل” يتحمل مسؤوليته ووزره رئيس الحركة، الذي يمسك بكل خيوط القرار السياسي ، مثلما نصت على ذلك مخرجات المؤتمر العاشر للحركة، ولعل حل المكتب التنفيذي يعد بمثابة اقرار من الغنوشي، على صواب النقد الذي وجه له، والذي يحمله مسؤولية الانحراف بالخط السياسي للحركة، مما أدى الى تراكم الأخطاء وفقدان البوصلة.
من بين الأخطاء التي ميزت فترة رئاسة الغنوشي للحركة، تلك المتصلة بارتباطه الكبير بسياسات المحاور الخارجية، والتي أصبحت مكشوفة للعيان، برغم محاولة “تبريرها” مرة تحت “يافطة” ما يسمى ب “الدبلوماسية الشعبية” ، والأن تحت مسمى “الديمقراطية البرلمانية”، والتي اصبحت محل رفض وتنديد من قبل جل مكونات المشهد السياسي والبرلماني، خاصة بعد المكالمة الهاتفية التي “هنأ” فيها فايز السراج بانتصاره العسكري على “غريمه” حفتر، ما اعتبر تدخلا مباشرا في الشأن الليبي، و “توريط” لتونس في أتون أزمة معقدة.
فهو بذلك أعلن بصفة علنية وأمام الملأ عن انخراطه العلني، في المحور “التركي – القطري – الاخواني” ، على خلاف وتناقض تام مع ثوابت الدبلوماسية التونسية، تجاه الأزمة الليبية والتي تتمسك بحل ليبي- ليبي، وباحترام الشرعية الدولية، موقف سيكلف الغنوشي والنهضة “غاليا” بعد اعلان أربعة كتل برلمانية رفضها لما أقدم عليه رئيس البرلمان، والذي قد يتطور نحو “الأسوأ” اذا لم تتم محاصرته يوم 3 جوان المقبل( الجلسة العامة للحوار حول الديلوماسية البرلمانية) ، الذي سيكون “محاكمة” ل “الدبلوماسية البرلمانية” و لراشد الغنوشي ولحركة النهضة في علاقة بارتباطاتهم الخارجية.
Comments