مداولات مجلس نواب الشعب….الفشل المعلن
المهدي عبد الحواد
لم تخرج مناقشات مجلس نواب الشعب حول قانون المالية لسنة 2020، عما الفه التونسيون منذ عشر سنوات. شعارات فضفاضة دون رؤيا واقعية، وجمل إنشائية شعرية دون مضامين فكرية. تستمع لخطاب لا ينتج غير “التباعد” بين الكتل والاحزاب، بل بين النواب في شخوصهم اصلا. يتبرأ الجميع من مشروع القانون، ومن الحكومة.
جميع المتكلمين من النواب، ملائكة وفدوا فجأة على تونس قادمين من بلاد اخرى. يفاجئهم البؤس الجماعي للتونسيين، ويستغربون من تدهور حال المرافق العمومية، ويستنكرون غياب الاستثمار في الجهات الداخلية وغياب التشغيل والتنمية. حالة “التوحد” تسيطر على نواب مجلس نواب الشعب، فهم ينخرطون في شيطنة جماعية لكل قوانين الميزانيات السابقة، والحال ان عددا كبيرا من النواب شارك في صياغتها، افرادا و احزابا.
يستهدف النواب بعضهم البعض، ويستهدفون النخب السياسية التي تداولت على الحكم وينتقدون السياسات المتبعة منذ فترة، دون تقديم بدائل حقيقية، تجيب على اسئلة دقيقة ” كيف تتم تعبئة موارد الدولة؟”. ماهي بدائل الاعتماد الكبير على التداين؟ كيف يمكن اقناع المستثمرين بالعودة للاستثمار داخليا وخارجيا؟؟
يشكو الجميع من توسع السوق الموازية وهيمنة القطاع غير المهيكل على النشاط الاقتصادي الذي يجفف بطريقة كبيرة من السيولة النقدية في البلاد ويحتكر ثروات بالعملة الصعبة تقدر بآلاف المليارات، لكن لا احد مستعد للقبول بإجراءات مصالحة جبائية ومالية. لقد تحول هذا المجلس الى “عبء على الشعب، ويسوق له أوهاما” هذا كان وصف النائب المنجي الرحوي لمجلس نواب الشعب، واضاف الرحوي” ليس لدى هذا المجلس حلولا، لا للعاطلين عن العمل ولا لعمال الحضائر”.
واشتكى نائب آخر من فشل الجميع ائتلافا وسلطة تنفيذية وتشريعية ورئاسة الجمهورية، مكتفيا بالدعاء مسلما امر البلاد لله. اما بلقاسم بن حسن فقد اتهم زملاء له بتغيير الحق باطلا، وكونهم يقومون بمؤامرة تستهدف الدولة. النائب زهير مخلوف قام بتحليل وصفي لمدة سبع دقائق استشهد فيها بوزير النفط الروسي وتقارير الاوبك، واكتفى بثواني قليلة – اربعين بحسب تصريحه- لتقديم حلول.
وهو اختلال يعكس قيمة نواب المجلس وفقر ثقافتهم المالية والاقتصادية والجبائية. يتحدث الجميع على ضرورة تغيير منوال التنمية، وهو مصطلح فقد معناه من كثرة استعماله، دون تفكيك للمصطلح ولا تفسير لطبيعة هذا المنوال او معناه او بدائله. يكتفي حتى اكثرهم ادعاء بالمعرفة المالية كالنائب هشام العجبوني، بالحديث بطريقة شعرية رومانسية، فيقول،” ان علينا تحرير المبادرة وترك التونسيين يبدعون ويحلمون وان على هذه الأرض الجميلة ما يستحق الحياة. الازمة الاقتصادية مقدور عليها اذا توفرت للجراة” ويعيد كل المشاكل الى “التراخيص والى الرقابة القبلية”.
باردة هي مداولات المجلس في هذا المساء البارد. واذا كان النواب انفسهم يعترفون بفشل المجلس وتهرؤ كامل المنظومة. و بكون كل قوانين المالية تكرس نفس السياسات التي ستقود الى الافلاس، فان الحلول لا يمكن ان تصدر عنه. لقد بات بالكاشف ان هذا المجلس، هو علامة واضحة على تعثر كامل المسار الديمقراطي، واذا كان من دليل على حكم الهواة وعلى الفساد الذي يخترق النخب السياسية وعلى سيطرة منطق الغنيمة و “قيم التفاهة” فانه مجلس نواب الشعب. هذا المجلس لم يعد يستحق “الاحترام” لذلك تعالت قبل ايام اصوات نواب تدعو الى ضرورة حله والمرور الى انتخابات سابقة لاوانها بعد تغيير النظام الانتخابي.
Comments