معهد كارنيغي: قمة الناتو هزيمة لأوكرانيا وانتصار لبوتين.. إلى متى تستمر الحرب؟
لم ينجح مارثون باخموت- فيلينوس، الذي نظمه مئات الأوكرانيين من عاصمة بلادهم إلى عاصمة ليتوانيا، واستمر لنحو أسبوع، في إقناع قادة حلف شمال الأطلسي “ناتو”، الذين اجتمعوا في العاصمة الليتوانية بضرورة تحديد موعد لانظمام اوكرانيا إلى الحلف.
بالفعل صنعت المجموعات الأوكرانية المنظمة للمارثون، الذي ارتدى المشاركون فيه قمصان بيضاء عليها رقم 33 وكلمة ناتو، مشهداً مثيراً بالفعل، عندما وصلت المسيرة إلى الميدان الرئيسي في مدينة فيلينوس، بالتزامن مع انطلاق قمة الناتو. واحتشد المشاركون في الميدان وخرج إليهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليخطب فيهم، وإلى جانبه زوجته، ويردد الجميع هتاف: “المجد لأوكرانيا”.
لكن هذا المشهد المؤثر لم يكن كافياً لتحقيق هدف أوكرانيا والدول المؤيدة لانضمامها بقوة، وهي بولندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، سواء بإعلان اعتزام الحلف ضم أوكرانيا بمجرد انتهاء الحرب مع روسيا، ولا قبول عضويتها قبل هذا الوقت، بحسب رغبة أوكرانيا.
ثم كانت المفاجأة أن البيان الختامي الطويل لقمة الحلف اكتفى بالقول: “سنكون في وضع يسمح لنا بالتوسع ودعوة أوكرانيا للانضمام للحلف عندما يتفق الحلفاء على ذلك وتتحقق الاشتراطات المقررة”.
وترى المحللة الأيرلندية جودي ديمبسي، الباحثة الكبيرة غير المقيمة في معهد كارنيغي أوروبا للأبحاث، في تحليل نشره موقع المعهد، أن قمة فيلينوس الأخيرة جاءت تكراراً لقمة بوخارست 2008 المشؤومة، التي وعدت بضم أوكرانيا إلى الناتو في يوم ما، دون أن تقدم لأوكرانيا خطة عمل الانضمام، والتي تحدد المسار نحو العضوية، بسبب ضغوط قوية من جانب فرنسا وألمانيا. واستغلت روسيا افتقاد المشاركين في قمة بوخارست للرؤية الاستراتيجية، واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موقفهم ضوءاً أخضر لكي يغزو جورجيا عام 2008، ويحتل شبه جزيرة القرم، وأجزاء من شرق أوكرانيا في 2014، ثم يشن حرباً شاملة ضد أوكرانيا في 2022.
لكن في قمة فيلينوس قال الناتو إن أوكرانيا لا تحتاج إلى خطة عمل الانضمام، لكنه “سيواصل دعم ومراجعة التقدم الذي تحققه أوكرانيا على صعيد العمل البيني، إلى جانب الإصلاحات الديمقراطية والأمنية المطلوبة” لعضوية الحلف. فبدا البيان وكأنه يريد مبرراً لمنح أوكرانيا العضوية، وفي نفس الوقت عذراً لعدم منحها جدولاً زمنياً للانضمام.
وفي “منتدى الناتو العام”، وهو حدث رئيسي عقد على هامش قمة فيلينوس، قال وزير الدفاع السويدي بال جونسون إن الدول الأوروبية “صدّرت إلى أوكرانيا صناعة أسلحة متباينة. فهناك 600 نوع مختلف من الأسلحة أرسلت إلى أوكرانيا”، وهو ما يؤدي إلى تعقيد جهود صيانتها بصورة هائلة.
وهناك سبب آخر يجعل ألمانيا والولايات المتحدة ترفضان منح أوكرانيا جدولاً زمنياً واضحاً للانضمام إلى الناتو. فالدولتان تنظران إلى الحرب في أوكرانيا من منظور المواجهة مع روسيا. وهما تشعران بالقلق من احتمالات تصعيد الحرب. وبالنسبة لبرلين وواشنطن وبعض الحلفاء الآخرين، فإن عضوية أوكرانيا في الناتو ستحتم عليه الدفاع عنها إذا تعرّضت لأي هجوم. ونقلت المحللة ديمبسي، رئيسة تحرير مدونة “إستراتيجية أوروبا”، التابع لمعهد كارنيغي أوروبا، عن مسؤولين في الناتو القول إنهم إذا تعّهدوا بضم أوكرانيا بمجرد انتهاء الحرب، فقد يتعمد بوتين إطالة الحرب لأطول فترة ممكنة.
وخلال الشهور التي سبقت قمة الناتو، أفزع بوتين ألمانيا بتهديداته المتكررة باستخدام الأسلحة النووية في الحرب الدائرة. واعتقد المستشار الألماني أولاف شولتس أن تحديد تاريخ لانضمام أوكرانيا، سيقود إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والناتو. في الوقت نفسه فإن ألمانيا مازالت تفتقد لإستراتيجية أمنية متماسكة للتعامل ليس فقط مع روسيا، وإنما أيضاً مع أوكرانيا وباقي دول أوروبا الشرقية.
وتقول ديمبسي، التي تنشر تحليلاتها في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن إرسال ألمانيا والكثير من دول الناتو للأسلحة إلى أوكرانيا ضروري، لكنه ليس إستراتيجية مكتملة، كما أنه لا يكفي لإنهاء الحرب بسرعة. وفي فيلينوس كررت ألمانيا ودول الحلف الأخرى، بصورة مثيرة للغثيان، عبارة “مستقبل أوكرانيا في الناتو”، وأنها ستدعم كييف “مهما طالت الحرب”. لكن هذه الدول لم تسأل نفسها “إلى متى يمكن أن تستمر الحرب، وإلى أي حد سيصل عدد القتلى والدمار وجرائم الحرب في أوكرانيا؟”.
وتختتم ديمبسي تحليلها بالقول إن قادة الناتو افتقدوا للشجاعة والرؤية الإستراتيجية اللازمة لمنح أوكرانيا جدولاً زمنياً للانضمام للحلف، وانتصرت تهديدات بوتين، ليعود الأوكرانيون الذين قطعوا مئات الكيلومترات للمطالبة بأن تصبح بلادهم العضو رقم 33 في حلف الناتو، إلى ديارهم خاليي الوفاض ليواجهوا المزيد من القنابل الروسية.
Comments