“معهد واشنطن” للبحوث: تونسيون يتبوؤون مناصب رفيعة في التنظيمات الجهادية !
حاول الباحث في معهد واشنطن هارون زيلين الاجابة عن السر في تبوأ التونسيون لمناصب رفيعة في «جماعة التوحيد والجهاد»/«مجلس شورى المجاهدين»/تنظيم «دولة العراق الإسلامية» وغيرها من التنظيمات لا سيما تلك المتعلقة بالقتال الخارجي، الأمر الذي ساعد في تجنيد أشخاص للقتال في العراق وليبيا وسوريا بعد عام 2011.
في كتاب “مقتطفات داعشية: نصوص بارزة لتنظيم “الدولة الإسلامية“، يرد ذكر موجز لتونسي اشتهر بكنية أبو أسامة التونسي. واستناداً إلى بحث قائم على مصادر أساسية أجريته لكتابي الخاص بعنوان »أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس«، وصل أبو أسامة إلى العراق في أوائل عام 2004 على أبعد تقدير وحارب في معارك الفلوجة حيث ساهمت علاقته الوثيقة مع كل من أبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر في ارتقائه في التنظيم: أولاً كالقائد العسكري لحزام بغداد الجنوبي، ولاحقاً كقائد عملية المقاتلين الأجانب بالكامل التي نفذها «مجلس شورى المجاهدين»/تنظيم «دولة العراق الإسلامية». وقد تساعد علاقته المقربة من الزرقاوي والمهاجر أيضاً على شرح سبب ظهور أبو أسامة كأحد الأفراد المقنّعين في الفيديو الذي أظهر قطع رأس الأمريكي نيكولاس بيرغ في أيار/مايو 2004. والأهم من ذلك، يشرح واقع تبوؤ التونسيين مناصب رفيعة، لا سيما تلك المتعلقة بالقتال الخارجي، السبب الذي دفع لاحقاً بالعديد من التونسيين للارتباط بهذه الشبكات التي ساعدت في تجنيد أشخاص للقتال في العراق وليبيا وسوريا بعد عام 2011. وفي نهاية المطاف، قُتل أبو أسامة بضربة جوية أمريكية في مدينة المسيب بمحافظة بابل في 25 أيلول/سبتمبر 2007 مع عدد من كبار قادة تنظيم «دولة العراق الإسلامية».
وعلى الرغم من أن العديد من التونسيين انضموا إلى الجهاد قبل حرب العراق، إلا أن الحرب ألهمت جيلاً وكادراً جديدين من الأفراد. فعلى سبيل المثال، حسن البريك، الذي أصبح المسؤول عن مكتب “الدعوة” في «أنصار الشريعة في تونس» بعد الثورة التونسية عام 2011، كان قد سافر إلى العراق عام 2003. ومثل كثيرين آخرين، لم يصل فعلياً إلى العراق، بل بالأحرى تولى المسؤولية عن منزل آمن في سوريا يجري فيه التدقيق بالأفراد قبل السفر إلى العراق. وبالنسبة للتونسيين الذين نجوا، تمّ اعتقال العديد منهم، بمن فيهم البريك، في سوريا (ودول أخرى) وأعيدوا إلى تونس كي يقضوا عقوبة في السجن. وكانت سجون تونس خلال السنوات السبع إلى الثماني التي سبقت الثورة أساسية في الجمع بين الجيل الأول من الجهاديين التونسيين المرتبطين بأفغانستان والشبكات القائمة في أوروبا، والجيل الثاني الذي كان أكثر ارتباطاً بالعراق وشبكتيْ «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» /تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ووفر تبادل السجون بين الجيلين الأول والثاني من الجهاديين التونسيين قاعدة أنشطة «أنصار الشريعة في تونس» بعد ثورة 2011 ولاحقاً لتجنيد المقاتلين الأجانب إلى العراق وليبيا وسوريا إما للانضمام إلى «أنصار الشريعة في ليبيا» و «جبهة النصرة»، أو تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويقدم كتابي الكثير من التفاصيل عن التونسيين الذين انضموا إلى الجهاد في العراق، ما مجموعه حوالي 5000 كلمة. ونظراً لطول البحث عن هذا الموضوع وتركيز كتاب (“مقتطفات داعشية”) على المصادر الأولية، فسوف يسلط هذا المقال الضوء على بعض التفاصيل التي تعتمد بدقة على البحث المستمد من هذه الشبكة من المصادر الأولية. ومع ذلك، إذا كنتَ تريد [فهم] الصورة بأكملها، فإن الفصل الرابع من كتابي يدخل في التاريخ والقصة بالكامل.
وذكرت المجلة الجهادية “مجلة منبر سوريا الإسلامي” في عددها الثالث الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2005 أنه قد تمّ اعتقال ألف تونسي أثناء محاولتهم السفر إلى العراق. علاوةً على ذلك، قال المحامي التونسي سمير بن عمر، الذي دافع عن الجهاديين المعتقلين، إنه في الفترة 2005-2007، تمّ اعتقال 600 تونسي خلال محاولتهم الوصول إلى العراق. ولا يشمل هذا الرقم التونسيين المقيمين خارج تونس أو أولئك الذين لم يتمّ اعتقالهم قبل عام 2005. وقد يشير ذلك إلى أن العدد الفعلي للأفراد الذين تمّ اعتقالهم قبل وصولهم إلى العراق وأولئك الذين وصلوا يتراوح بين 1600 و2500 على امتداد تلك الفترة الزمنية بأكملها. ووفقاً لتوماس هيغهامر، تدل هذه الأرقام على حجم المقاتلين الأجانب التونسيين، لا سيما بالنظر إلى أن ما بين 4000 و 5000 مقاتل أجنبي انخرطوا في الجهاد العراقي. ويمكن أن تشير أيضاً إلى أن هناك عدداً أكبر من الأفراد الذين ذهبوا أو تم القبض عليهم وهم يحاولون الذهاب إلى العراق أكثر مما كان يُعتقد في الأصل أو أن طريقة إحصاء الباحثين والحكومات للمقاتلين الأجانب أصبحت الآن أكثر شمولية من ربما الفهم الأكثر محدودية من الفترة 2002-2009 عندما كان الأفراد يحسبون فقط أولئك الذين وصلوا إلى ساحة المعركة. ومع ذلك، فإن هذه الإحصائيات تجعل الأمر إذاً أقل إثارة للدهشة حيث لوحظ انضمام العديد من التونسيين إلى الجهاد السوري بعد عام 2011.
إن العديد من التونسيين الذين انضموا إلى «جماعة التوحيد والجهاد»/تنظيم «القاعدة في العراق»/«مجلس شورى المجاهدين»/تنظيم «دولة العراق الإسلامية» هم من الميسّرين/المجنّدين، لكن عدداً آخر كانوا من المقاتلين والانتحاريين وحتى من القادة. ويوفر دور الميسّر/المجنّد معلومات معمقة مهمة حول سبب محاربة العديد من التونسيين في سوريا منذ عام 2011. وعلى وجه الخصوص، تسمح الطبيعة المترابطة للغاية للإخوة التونسيين بالوصول السهل إلى الشبكات التي توفر الخدمات اللوجستية للذين يرغبون في الانضمام إلى القتال. وبالإضافة إلى تحديد أسماء القتلى، نشر «مجلس شورى المجاهدين» إخطارات استشهاد مع قصص عن خلفية الأفراد وعملياتهم في العراق قبل وفاتهم.
ففي نيسان/أبريل 2006 على سبيل المثال، أصدر «مجلس شورى المجاهدين» إشعاراً بشأن أبو ابراهيم التونسي، القائد الذي حارب سابقاً في البوسنة وأفغانستان. وأثناء وجوده في أفغانستان، تردد أنه كان يدير دور الضيافة نيابة عن أسامة بن لادن، وحارب “التحالف الشمالي” إلى جانب حركة طالبان، ودافع عن قندهار، وجلال آباد، وكابول بعد الغزو الأمريكي إلى أن هرب إلى تركيا مع الحاج بنان التركي، وانضم لاحقاً إلى الجهاد العراقي. وشغل أبو إبراهيم في البداية منصب رئيس الفرع الأمني في راوة إلى أن تمّت ترقيته إلى منصب رئيس الفرع الأمني في محافظة الأنبار وقائداً عسكرياً للقائم، حيث أشرف على وحدات القناصة والاستخبارات والأمن والوحدات المضادة للطائرات. وكانت البلدة الأخيرة، الواقعة على الحدود مع سوريا، ممراً مهماً لتهريب المقاتلين الأجانب وغير ذلك من الأنشطة غير القانونية التي انطلقت من مدينة البوكمال على الجانب السوري من الحدود. كما كانت البوكمال بمثابة نقطة توقف للأجانب المسافرين من دمشق إلى العراق. وخطَّط أبو إبراهيم وقاد عدداً من المعارك، من بينها “عملية الشهيد الشيخ أبو محمد اللبناني” والعمليتين الأولى والثانية لاحتلال الحصيبة. وقد قُتل في النهاية في غارة جوية أمريكية خلال معارك قضاء القائم في ناحية الكرابلة التابعة له.
وحارب عدد من التونسيين الآخرين، مثل أبو بصير التونسي، في صفوف كتيبة «أم المؤمنين عائشة» التابعة لـ «مجلس شورى المجاهدين»/«دولة العراق الإسلامية» وكانوا من القادة فيها. ولقي اثنان من أبرز التونسيين في هذه الكتيبة عُرف كلاهما باسم أبو أسامة التونسي مصرعهما في تموز/يوليو 2006 وأيلول/سبتمبر 2007 على التوالي. وجاء الأول إلى العراق في عام 2004 وأصبح في النهاية قائداً في كتيبة «أم المؤمنين عائشة». وقاد معركة أبو أنس الشامي، وتزعم هجوم “الفتح”، وشارك في “معارك الثأر السني” و “هجمات مكافحة الإرهاب”. وقُتل في غارات جوية أمريكية على بلدة اليوسفية على بعد 20 ميلاً جنوب بغداد. أما أبو أسامة الآخر، فكان ذلك الذي ذُكر في بداية هذا المقال.
وتونسي مهم آخر في «مجلس شورى المجاهدين»/تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، كان يسري بن فاخر الطريقي (الملقب بأبي قدامة التونسي وزياد السبأ). ورغم أنه لم يكن قائداً مثل أولئك المذكورين أعلاه، إلا أنه أصبح رمزاً لـ «أنصار الشريعة في تونس» عن القمع الذي مارسه النظام بقيادة شيعية في العراق عندما كان في سجن عراقي قبل إعدامه في 16 تشرين الثاي/نوفمبر 2011. وكان الطريقي قد وصل إلى العراق في تشرين الثاني/نوفمبر 2003 وهو في التاسعة عشرة من عمره، والأصغر سناً بين الجماعة التي سافر معها. وكان يقوم بعمليات في الموصل لغاية منتصف 2004 عندما انتقل إلى سامراء مع عملاء آخرين للتخطيط للتفجير الشهير الذي استهدف مرقد الإمامين الشيعيين علي الهادي وحسن العسكري في شباط/فبراير 2006. وكان هذا الهجوم محفزاً مهماً في الحرب الأهلية العلنية بين السنّة والشيعة داخل العراق. وكانت الطائفية الناجمة عن ذلك هدف الزرقاوي لكي لا يكون أمام السنّة خيار آخر سوى البحث عن الأمان الذي يوفره لهم «مجلس شورى المجاهدين». وكان الطريقي يدّعي، عقب اعتقاله لاحقاً، أنه “قد تم اختيار مرقد الإمامين علي الهادي وحسن العسكري لأهميتهما الدينية وموقعهما الجغرافي، وكان الاختيار يهدف إلى إحداث انقسام طائفي بين الناس”. وإلى جانب ذلك الهجوم، زُعم أن الطريقي متورط في اغتيال الصحفية العراقية أطوار بهجت. وفي نهاية المطاف، أُلقي القبض عليه حياً في حزيران/يونيو 2006 خلال معركة في بعقوبة، على بعد حوالي 50 ميلا شمال شرق بغداد، حيث قُتل جميع إخوته في القتال. ثم تنقل في عدد من السجون قبل أن يُجبر على الحبس الانفرادي في سجن الكاظمية حتى وفاته.
وناهيك عن التونسيين الذين تولوا مناصب قيادية كقادة أو مقاتلين أو جنود مشاة، لعب التونسيون أيضاً دوراً مهماً في شبكة الخدمات اللوجستية والتسهيلات لصالح تنظيم «القاعدة في العراق»/«مجلس شورى المجاهدين»/تنظيم «دولة العراق الإسلامية». وكان أبو عمر التونسي من أبرز هؤلاء الأفراد. وقد ظهر اسمه بشكل متكرر في “وثائق سنجار” كميسّر رئيسي للأفراد عبر سوريا إلى العراق. ويشير ذلك إلى أنه كان وسيطاً رئيسياً بين شبكات التجنيد والخدمات اللوجستية في العالم العربي وأوروبا الغربية والعناصر على الأرض داخل العراق. ووفقاً للجيش الأمريكي، اعتقل ضباط العمليات الخاصة في أيار/مايو 2008 أبو عمر في محافظة نينوى الغربية. وعُلِم فيما بعد أن الاسم الحقيقي لأبو عمر هو طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي، وأنه كان لا يزال يجنّد ويسهّل سفر المقاتلين الأجانب [للإنضمام إلى] الجماعة الجهادية عام 2013، بعد ظهورها من جديد كـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ويشير ذلك إلى أنه قد أُطلق سراحه من السجن أو هرب منه في وقت ما بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية.
وبحلول كانون الأول/ديسمبر 2007، ووفقاً لزعيم تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في ذلك الوقت، أبو عمر البغدادي، لم يبق في البلاد سوى 200 مقاتل أجنبي، في انخفاض كبير عن المئات الذين كانوا يقصدونها كل شهر. واستمر هذا التراجع في الأعداد من 90 شهرياً في منتصف عام 2007 إلى 50 شهرياً في أوائل عام 2008، وصولاً إلى 10 شهرياً في أوائل عام 2009. إلا أن هذه الفترة الفاصلة لم تدم إلى الأبد. ففي حين لم يعد الكثيرون يعيرون الاهتمام بالعراق بسبب النجاحات التكتيكية للصحوة القبلية والطفرة العسكرية، بدأ تنظيم «دولة العراق الإسلامية» بإعادة رص صفوفه بين أوائل إلى منتصف عام 2009، أي بعد حوالي 12-18 شهراً من وصوله إلى أدنى مستوياته. وربما يكون جزءً من الأمر متعلقاً باستعدادات تنظيم «دولة العراق الإسلامية» لبدء الولايات المتحدة انسحابها في نهاية حزيران/يونيو 2009 كجزء من “اتفاقية وضع القوات الأمريكية العراقية” [التي تم التوصل إليها] بين الرئيس جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والتي وُقّعت في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2008. ومن المؤشرات الرئيسية على أن تنظيم «دولة العراق الإسلامية» كان يُعيد بناء بنيته التحتية هي الأعداد المتزايدة للمقاتلين الأجانب على أساس شهري. وبحلول منتصف عام 2009، ارتفع عدد المقاتلين الأجانب شهرياً إلى 20 واستمر في الزيادة إلى 30-40 مقاتل في أواخر عام 2009 وربما وصل إلى 250 مقاتل بحلول أواخر خريف 2010.
وبخلاف الشبكات التي كانت متمركزة في دمشق وحلب، بدأت إحدى شبكات المقاتلين الأجانب التي تم تجديدها بالعمل انطلاقاً من حمص تحت قيادة مجموعة من التونسيين والجزائريين. كما سهلت شبكة أخرى مرور الأفراد عبر محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، للذهاب إلى الموصل في العراق، التي استخدمها تنظيم «دولة العراق الإسلامية» كقاعدة لإعادة بناء عملياته بعد الصحوة القبلية والطفرة العشائرية. وكان بعض الأفراد المعروفين بأنهم دخلوا عبر الطريق الثاني تونسيين شاركوا في بعض من أكثر الهجمات دموية في عام 2009، من بينها تفجير شاحنة مفخخة في 10 نيسان/أبريل عند بوابات “قاعدة العمليات الأمامية في ماريز التابعة للقوات الأمريكية” في الموصل، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود. وكانت مجموعة التونسيين قد غادرت تونس في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2008 وسافرت عبر ليبيا بمساعدة الشبكة المذكورة أعلاه في سوريا؛ ووصلت إلى العراق في آذار/مارس 2009. كما تلقت الجماعة مساعدة من عراقي يعيش في كندا يُدعى فاروق خليل محمد عيسى، وكذلك من الرئيس الجديد لعمليات المقاتلين الأجانب في تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، سعد عويد عبيد معجل الشمري ( المعروف بأبو خلف). وقامت القوات العراقية بعد ذلك باعتقال أعضاء هذه الشبكة التونسية العراقية خلال الأشهر القليلة التي أعقبت ذلك التاريخ.
وخلال هذه الفترة، بدأ تنظيم «دولة العراق الإسلامية» بإعادة نشر قصص الاستشهاد لمقاتليه. وشملت إحداها مقابلة أُجريت في أواخر آب/أغسطس 2010 مع والدة أسامة المزعومة (أبو عبد الرحمن التونسي وأبو سعد التونسي)، المعروف بـ”قناص بغداد” لقتله جنود أمريكيين. ووفقاً للورينزو فيدينو، من المرجح أن تكون المقابلة قد أجرتها شقيقة أسامة والتي أصبحت متطرفة بعد مقتل شقيقها وبالتالي ناشطة في المنتديات الجهادية تحت اسم Swissgirl99. وقبل وصوله إلى العراق في أيلول/سبتمبر 2005، انتقلت عائلته من تونس إلى سويسرا في عام 2000، حيث واجه صعوبة في التكيف مع الثقافة المختلفة لأن عائلته كانت محافظة ومتدينة للغاية. ووفقاً لمسؤولين أمنيين سويسريين، “أمضى ساعات على الإنترنت في قراءة الدعاية الجهادية”. وتوفي في وقت ما في عام 2006 في هجوم على “مقر مكافحة الإرهاب” في حي الجهاد ببغداد، ولو أن التاريخ المحدد غير معروف.
وفي المقابلة، ناقشت والدته تقوى ابنها، وكرهه لانتقالهم إلى أوروبا عندما كان مراهقاً، وقراره بالانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية». واختتمت المقابلة بالإشادة بأبو بكر البغدادي، خليفة أبو عمر البغدادي، ومصرّحة بأنها “ستقابله بعون الله في ظل الخلافة في أرض الخلافة [أي العراق] إن شاء الله”. وتنبأت كلماتها من بعض النواحي بما سيحدث في السنوات التالية.
وليس من المستغرب أن تكون إحدى أولى الحوادث الجهادية المرتبطة بتونسيين في أعقاب الثورة التونسية عام 2011 قد أسفرت عن اعتقال مجموعة من التونسيين والليبيين في مصر كانوا يحاولون القتال في العراق إلى جانب تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في 25 كانون الثاني/يناير 2011. لذلك، بغض النظر عن الثورة، من المرجح أن يكون التونسيون قد واصلوا انخراطهم في القتال الخارجي والجهاد. والفرق الوحيد، هو أنه كانت هناك بدلاً من ذلك مجموعة أكبر من المجندين المقاتلين الأجانب نتيجة للانفتاح المجتمعي الذي حفزته الثورة. وبالتالي، عاد في النهاية بعض السجناء المفرج عنهم بعد الثورة إلى القتال وانضموا إلى الجماعات الجهادية في سوريا.
وفي حين أن معظم الباحثين يقرون أن الشبكات والجماعات الجهادية بدأت بتجنيد الأفراد للانضمام إلى الجهاد السوري في عام 2012، إلّا أن التجنيد للقتال في العراق كان قائماً قبل ذلك، وهي ديناميكية لم تحظَ بالتقدير الكافي. ونتيجةً لذلك، تمّ بسهولة تعديل الجهود للانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية» من أجل الانضمام بدلاً من ذلك إلى جماعة الواجهة التابعة لهذا التنظيم في سوريا، أي «جبهة النصرة» في ذلك الوقت. ونظراً إلى أن معظم الساعين إلى الانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في العراق سافروا عادةً عبر تركيا وسوريا، كان التوجه إلى سوريا يستلزم خطوة أقل، مما جعل الأمر أقل خطورة، ولكنه سمح أيضاً لنفس شبكات التجنيد، والتسهيل، والخدمات اللوجستية بالاستفادة من الفرصة التاريخية التي قد توفرها سوريا كنتيجة للرد الشرس لنظام بشار الأسد على الانتفاضة السلمية الأصلية.
ويُعتبر ذلك وثيق الصلة لأنه قبل أن يَنصب تركيز المجتمع الجهادي العالمي على سوريا، كانت جماعة «أنصار الشريعة في تونس» وزعيمها أبو عياض التونسي يضفون الشرعية على الانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في عام 2011. وفي مقابلة أجريت في كانون الأول/ديسمبر 2011، قدم أبو عياض رداً واضحاً على المشاركة في جهاد العراق: “من يستطيع أن يمنع شخصاً يريد الجهاد في سبيل الله؟ فانت اذا جئتني وقلت لي أريد أن اذهب الى العراق فلن أمنعك لاني اذا منعتك سأكون آثماً. فأنت تريد أن تحقق فرضاً من الفروض وهي نصرة المسلمين ومقاتلة أعداء ديننا”. بالإضافة إلى ذلك، وفي وقت لاحق من المقابلة، تخلى أبو عياض عن أي ادعاءات ودعوات علنية للجهاد في العراق:
“الآن بدأ الجهاد الفعلي في العراق لأن الأمريكان تركوا الفرس والروافض يحكمون العراق … تقول لي خرج الاحتلال الأمريكي وأنا أقول لك انه ترك أعداء الأمة من المجوس [إيران] والروافض يبيعون الأمة للغرب. الآن الجهاد يا أخي ويجب على [رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري] المالكي و أزلامه أن يُزالوا من على الارض وعلى المجاهدبن في العراق أن يكثفوا ضرباتهم …. نسأل الله أن يوفق اخواننا.”
إلا أن هذه الحماسة للجهاد ومشاركة التونسيين فيه لم تضعف بمرور الوقت. ففي مقابلة لأبو عياض مع صحفي إذاعة “موزاييك إف إم”، نصر الدين بن حديد، في شباط/فبراير 2013، صرّح بأن “التونسيين يمكن إيجادهم في كل مكان في أرض الجهاد. فطرق الذهاب سهلة ونحن لا نمنع جماعتنا من المغادرة”. فضلاً عن ذلك، شهدت تجربة كاتب هذا البحث في مساجد «أنصار الشريعة في تونس» قيام أفراد من الجماعة بدعاء خاص بعد الصلوات الاعتيادية من أجل “المجاهدين في بلاد الشام”، وهو المعيار المتبع في مساجد «أنصار الشريعة في تونس». وتعكس مثل هذه الطقوس التشجيع على إظهار الدعم. ولم يكن من المستغرب أن تنشر صفحة «أنصار الشريعة في تونس» على “فيسبوك” في ذلك الوقت محتوى يدعم جماعات مثل «جبهة النصرة»، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» لاحقاً. كما نشر المنْفذ الإعلامي الرسمي لـ «أنصار الشريعة في تونس» شريط فيديو كهدية لزعيم «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني. وعلى نحو مماثل، نشرت «أنصار الشريعة في تونس» صوراً من أولاد أفراد الجماعة الذين كتبوا ملاحظات يهنئون فيها «جبهة النصرة» على نجاحاتها في ساحة المعركة. وأخيراً، حين قُتل أفراد سابقون في «أنصار الشريعة في تونس» وهم يحاربون في الجهاد السوري، مجّدت صفحة الجماعة الرسمية على “فيسبوك” شهاداتهم.
واستناداً إلى مصادر أولية فقط، يمكن التأكد كثيراً من تطور الشبكات والأسباب المنطقية للقتال في العراق ثم سوريا لاحقاً. وإذا كان المرء مهتماً بمزيد من التفاصيل حول مشاركة التونسيين في الجهاد العراقي فضلاً عن الشبكة الجهادية التونسية في أعقاب الانتفاضات العربية، إلى جانب تفاصيل أخرى تتعلق بالحركة من الناحيتين التاريخية والمعاصرة، فإن كتابي »أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس« يقدم تقارير دقيقة عما جرى على مدى أربعين عاماً.
** هارون زيلين
هو باحث في معهد واشنطن، وباحث زائر في “قسم السياسة” في “جامعة براندايز،” وزميل مشارك في “الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا”.
وقد نُشر هذا المقال في الأصل على “آيسيس بلوغ”، وتم اقتباس أجزاء منه من كتابه »أبناؤكم في خدمتكم«، حقوق النشر “مطبعة جامعة كولومبيا” 2020، جميع الحقوق محفوظة.
رابط المقال
Comments