معهد واشنطن: وباء الكورونا يهدد استقرار الجزائر
توقعت الباحثة في معهد واشنطن سارة فوير ( هي خبيرة في السياسة والدين في شمال أفريقيا)، أن تكون لتداعيات وباء الكورونا (كوفيد 19) تأثير على الوضع في الجزائر، هذا البلد البالغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، والذي يعاني من ضعف في البنية التحتية الطبية الضعيفة، واستمرار الأزمة السياسية منذ عام، والعملية المتوقفة لإعادة توجيه الاقتصاد الذي يعتمد بشكلٍ مفرط على النفط والغاز منذ عقود، قد جعلت جميعها البلاد عرضة بشكلٍ خاص للتداعيات الناتجة عن الفيروس.
اعتباراً من 20 نيسان/أبريل، أعلنت الجزائر عن وقوع 2718 حالة إصابة بوباء “كوفيد-19” و 384 حالة وفاة، ويشكّل هذا الرقم الأخير أعلى رقم إجمالي وأعلى معدل وفيات للفرد الواحد المُبلغ عنها بين البلدان العربية.
وعلى غرار الوضع عبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن حوالي 85 في المائة من سكّان الجزائر هم تحت سن الخامسة والخمسين، وهو واقع ديموغرافي قد يمنع في النهاية وقوع المزيد من الوفيات.
ومع ذلك، فإن وصول فيروس كورونا المستجدّ إلى الجزائر جعل الحالة السيئة للنظام الصحي في البلاد عرضةً للخطر. وكان مؤشر “الأمن الصحي العالمي” لعام 2019، الذي يقيس القدرات المختلفة للقطاع الصحي في بلدان في مختلف أنحاء العالم – ومن بينها الاستعداد لإدارة الأوبئة – قد صنّف الجزائر في المرتبة 173 من أصل 195 دولة وفي المرتبة 17 من أصل 21 دولة عربية (متخطية جيبوتي، وسوريا، واليمن والصومال فقط).
وفي ردها على تفشي الوباء، امتنعت الحكومة الجزائرية عن تنفيذ الإغلاق في جميع أنحاء البلاد (على عكس المغرب وتونس المجاورتين)، واختارت حظر التجوّل والحجز المحدُّد الأهداف في المناطق المُصابة بشدة، مثل البليدة إلى الجنوب الغربي من الجزائر العاصمة. وتم وضع تسع ولايات، من بينها العاصمة، تحت حظر التجول من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى الساعة السابعة صباحاً. وتخضع كافة الولايات الأخرى لحظر التجول الليلي من السابعة مساءً إلى السابعة صباحاً. وفي 17 آذار/مارس، علّق الرئيس عبد المجيد تبون وسائل النقل العام، وحظرَ التجمعات العامة، وأغلقَ المدارس والجوامع، وأقفل الحدود البرّيّة والبحرية للبلاد.
كما سعت السلطات الجزائرية إلى تلقي المساعدة من الصين، وحصلت عليها من هذه البلاد، التي تفوقت مؤخراً على فرنسا كمصدر الاستيراد الأوّل للجزائر. وشمل هذا الدعم وفداً من اثنيْ عشر شخص من المهنيين الطبيين الصينيين الذين وصلوا إلى الجزائر في 27 آذار/مارس مع معدات طبية قيمتها 450,000 دولار أمريكي وفقاً لبعض التقارير، والبناء المخطَّط لمستشفًى صغير مخصص لمرضى كورونا، وشحنات تشمل 8.5 مليون قناع ومعدات وقائية إضافية للعاملين في المجال الطبي، والتي وصلت في 5 نيسان/أبريل و15 نيسان/أبريل.
وفي غضون ذلك، أقرّت الحكومة الجزائرية بالحاجة إلى إصلاحات أعمق في قطاع الصحة. ففي 13 نيسان/أبريل، أعلن تبون عن خططٍ لإصلاح النظام الطبي بينما أشار إلى أنّ “الوضع تحت السيطرة”. وبالمثل، وصفَ وزير الصحة المأزق الذي تمرّ فيه البلاد بأنه “مستقر”، مدّعياً أنّ استخدام دواء الكلوروكين المضاد للملاريا قد خفّض نسبة إقامة مرضى الكورونا في المستشفى من عشرة أيام إلى خمسة أيام. ويتم إنتاج الكلوروكين، الذي لم تُثبَت بعد نجاعته في معالجة فيروس كورونا المستجدّ، محليّاً في الجزائر؛ وقال تبون إن البلاد قامت بتخزين ما يكفي منه لمعالجة230,000 شخص، مع التخطيط لتوفير المزيد ما أن يتم الحصول على المواد الأولية الإضافية من الهند.
السياسات المتعلقة بالوباء
سواء كانت هذه التصريحات تعكس الواقع أم لا، فمن غير المرجح أن تُقنع الكثير من الجزائريين بالنظر إلى أزمة الشرعية التي تواجه القادة السياسيين في البلاد منذ وقتٍ طويل قبل وصول الوباء. واعتُبر انتخاب تبون في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019 على نطاق واسع كمحاولة مزوّرة لتهدئة حركة الاحتجاجات التي دامت عشرة أشهرٍ وتُعرف باسم الحراك، والتي دعَت إلى تفكيك النظام الغامض للشبكات العسكرية والتجارية والسياسية (ما يسميه الجزائريون منذ فترة طويلة Le Pouvoir [وهي تسمية أطلقها المتظاهرون لوصف “القوى الحاكمة للبلاد” – فئة من الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين من الحزب الحاكم الذين كانوا ضمن الدائرة المقربة للرئيس بوتفليقة])،
تلك الشبكات التي حكمت الجزائر لفترة دامت أكثر من نصف قرن. وكان يُعتقد أنّ تبون هو المرشح المختار لرئيس أركان الجيش آنذاك أحمد قايد صالح، الذي أصبح الحاكم الفعلي للبلاد بحُكم الأمر الواقع بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نيسان/أبريل 2019 بعد بقائه في الحكم لفترة طويلة. إلا أن قايد صالح تُوفّيَ بشكلٍ غير متوقَّع بعد عشرة أيام تقريباً من أداء تبون اليمين الدستورية، وفي المنافسات السياسية التي تلت ذلك، برزَ صراعٌ على السلطة بين بقايا معسكر قايد صالح وخصومه في الأجهزة الأمنية.
وعلى الأرجح تعكس عملية الفصل الأخيرة للجنرال واسيني بوعزة، الذي اختاره قايد صالح كمدير المخابرات [الداخلية]، وعملية إقالة العقيد كمال الدين رميلي، مدير الأمن الخارجي في الأسبوع الماضي، الجهود الجارية للتخلص من آخر بقايا معسكر قايد صالح وإقناع جمهور الناخبين المتشكك كثيراً بأنّ تبون يسعى إلى فتح صفحة جديدة.
وعلى هذا النحو، أثارت عمليات الإقالة هذه نوعاً من التفاؤل الحذر لدى الحراك – حركة الاحتجاجات التي احتفلت بذكرى مرور عامٍ على بدايتها في شباط/فبراير، لكنها علّقت لاحقاً المظاهرات التي كانت تخرج مرتين كل أسبوع بعد حظر التجمعات الكبيرة في 17 آذار/مارس.
ومنذ ذلك الحين، نقل الحراك جهود الحشد إلى الإنترنت، بتنظيمه حملات لجمع الأموال لشحنات الأغذية والمعدّات الطبية إلى أكثر المواقع الساخنة للفيروس في الجزائر، وإدانته للدولة على تعاطيها مع الأزمة الصحية، ذلك التعامل الذي اعتبره الكثيرون متأخراً وعشوائيّاً.
وعلى الرغم من إقالة تبون لمسؤولين في المخابرات لا يحظون بشعبية، إلا أن الدولة استمرت في اعتقال ناشطين وصحفيين وسجنهم، مما زاد من إثارة الحراك، ورفعَ احتمال المواجهة بين الحكومة والجماعة المعارضة الرئيسية لها.
نقاط الضعف الاقتصادية
بدأ فيروس كورونا أيضاً بإلحاق الضرر في الاقتصاد الجزائري. فنظراً لأن مبيعات الهيدروكربونات تمثل 93 في المائة من عائدات التصدير و40 في المائة من الإيرادات، فإن هذه البلاد المنتِجة للنفط والغاز عرضةً بشكلٍ خاص للانخفاض العالمي في الطلب الذي أحدثه الفيروس.
واضطرّ المشرّعون الجزائريون إلى تخفيض ميزانية الدولة بنسبة 30 في المائة بسبب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الشهر الماضي، التي أدت إلى انخفاض سعر النفط. وبحلول نهاية آذار/مارس، تراجعت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية إلى ما دون 60 مليار دولار (أقل من ثلث ما كانت عليه بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014).
ورغم تصوّر بقاء هذه الاحتياطيات حتى نهاية عام 2020، إلّا أن التوقعات لعام 2021 تبقى أقل تأكيداً بكثير. وبسبب اعتمادها الشديد على الواردات، فستتأثر البلاد على الأرجح إلى حدٍّ كبير بتعطل سلاسل الإمداد الدولية، ومن شبه المؤكد أن يشهد الجزائريون نقصاً محليّاً في البضائع.
وبالتالي، فإن اتفاق “منظمة البلدان المصدّرة للنفط” (“أوبك”) في 12 نيسان/أبريل لخفض الإنتاج كان موضع ترحيب في الجزائر، على الرغم من أنّ الانخفاض المستمر للأسعار لا يبشّر بالخير. وأدّى قانونٌ متعلّقٌ بالهيدروكربونات تم إقراره في كانون الثاني/يناير إلى تخفيض العبء الضريبي على شركات النفط الدولية، كما باشرت شركة النفط الحكومية الجزائرية، “سوناطراك”، بتوقيع مذكرتيْ تفاهم مع شركتيْ “شيفرون” و”إكسون موبيل”، فضلاً عن مذكرات تفاهم مع شركات روسية وتركية.
ولكن في ظل عدم ترجيح انتعاش الطلب العالمي في أي وقت قريب، فلا يمكن توقُّع جني الكثير من الثمار من هذه الاتفاقات على المدى القريب. وفي غضون ذلك، أدى فيروس كورونا إلى زيادة الأسعار للمستهلكين، وقد يؤدي إلى تفاقم البطالة في بلدٍ لا يعمل فيه أكثر من ربع الراشدين الشباب.
وقد تتمكن بعض مجتمعات المغتربين الجزائريين في كندا وفرنسا من مساعدة بعض الأسر المتعثرة، إلّا أن مثل هذه المساعدة بالكاد ستخفف عواقب الوباء في غياب إصلاحات أعمق في السياسة والحوكمة.
توصيات لواشنطن
وترى الباحثة في معهد واشنطن إن السياسة الخارجية للجزائر التي تتّسم بالقومية المفرطة، إلى جانب إحجام البلاد عن الانخراط مع القوى الغربية، قد حدّت تقليديّاً من نطاق العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. إلا أن الوضع الأليم للبلاد بشكل متزايد والامتعاض الشعبي العام تجاه النظام الذي غذّى هذا الوضع قد يوفران لواشنطن فرصاً لوضع الأساس لمشاركة موسّعة.
وربما سيكون عرض إرسال المساعدة الطبية بهدوء خطوةً أولى جيدةً. وبقدر ما تعكس مذكّرتا التفاهم الأخيرتان مع “شيفرون” و”إكسون موبيل” رغبةً جزائريةً متناميةً في التعامل الاقتصادي، يجب على صناع السياسة الأمريكيين النظر في طرق لتحفيز المزيد من الاستثمارات من قِبل الشركات الأمريكية.
Comments