مع تصاعد الاحتجاجات .. هل اختارت حكومة المشيشي “الحل الأمني” ؟
منذر بالضيافي
تزامن تصاعد الحراك الاحتجاجي، مع تكثيف “القبضة الأمنية”، في ما يشبه وجود خيار حكومي، مفاده تغليب “الحل الأمني” في التعاطي مع الحراك الغاضب، الذي انطلق في الليل وتزامن مع حصول أعمال عنف وتخريب، أعطت المبرر و “الشرعية” لملاحقته أمنيا، لكن هذا الخيار استمر أيضا مع تحول “الحراك” الى احتجاجات “نهارية” و سلمية، شارك فيها عدد من القوى السياسية، ومنظمات ومجتمع مدني، ورفعت شعارات واضحة تستهدف “اسقاط النظام”، ممثلا في حكومة المشيشي، ومؤسسة البرلمان التي أصبحت مستهدفة، خصوصا بعد التحاق الرئيس قيس سعيد، بهذه الدعوات وبداية “تحريضه” على البرلمان وعلى الفريق الحاكم ورئيسه، وهو ما عبر عنه بوضوح يوم أمس في “خطاب” أمام “مجلس الأمن القومي”.
وقد وجد خطاب قيس سعيد تجاوب اليوم من خلال عمد العديد من المحتجين الى التظاهر أمام البرلمان في تزامن مع جلسة منح الثقة لعدد من الوزراء في تحوير وزاري رفضه الرئيس سعيد وشكك في دستوريته، وكان تحرك الحكومة استباقي، عبر تكثيف التواجد الأمني حول مبنى البرلمان، ومنع المحتجين من الوصول اليه، خوفا من تجدد سيناريو مبنى الكونجرس الأمريكي منذ ايام (مقر الكابيتول)، خصوصا بعد شيوع تسريبات تحدثت عن التخطيط لاقتحام مجلس نواب الشعب، لكن عدد من النواب خاصة في صفوف المعارضة رفضوا “عسكرة البرلمان”، وفق تعبيرهم.
الجاهزية الأمنية الكبرى والمكثفة، التي تمثلت في مظاهرات السبت الفارط واليوم أمام البرلمان. هل هي رسالة على أن الحكومة اختارت “الحل الأمني” لمواجهة التحركات الاحتجاجية؟ أم أنها “دفعت” دفعا لهذا الخيار الذي فرض عليها من قبل المحتجين، الذين عليهم “تفهم” وضع البلاد التي تعيش أزمة شاملة اقتصادية واجتماعية و “حالة طوارئ صحية”، بعد التفشي الكبير لوباء الكوفيد-19، فضلا عن تواصل المخاوف الأمنية التي قد تجد “تربة خصبة” في مناخ الاضطراب والتوتر، وفي سياق اقليمي ودولي صعب وغير مستقر؟
مثلما نجحت تونس في تأمين انتقال سياسي ديمقراطي، من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية، والتداول على السلطة بشكل سلمي، هو بدوره أصبح مهددا ، مع تصاعد الشعبوية التي وجدت في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أرضية خصبة للتحرك ونشر الوهم خاصة في ظل عجز من القوى الحاكمة عن تقديم الحلول، لتأخذ الأزمة شكل المرض المزمن وتنهار الأوضاع مع تمدد الوباء الذي زاد المشهد صعوبة وتعقيدا.
فكل المؤشرات الاقتصادية تظهر “حمراء”، فالبنك المركزي قالها صراحة، مشيرا الى أن البلاد قد دخلت “مرحلة الانكماش الاقتصادي، بما يعني أننا على طريق الكساد ثم الانهيار –لا قدر الله-، وهنا يبدوا أن الكثيرين غير مقدرين لهذه الحقيقة الصادمة. ولا يقفون الا عند الحديث عن نتائجها، المتمثلة في الأزمة الاجتماعية، وهم يغفلون الحديث عن المقدمات التي أوصلتنا الى هذه المالات أو النتائج.
فالركود الاقتصادي وتسجيل نسب نمو سلبية، هي التي تفسر قطعا تردي الأوضاع الاجتماعية، من ذلك أننا سجلنا تواصل تدهور المقدرة الشرائية، وارتفعت نسبة البطالة وخاصة عند الفئة الناشطة/الشباب، كما ازدادت الأوضاع في الجهات الداخلية بؤسا.
بالعودة الى “القبضة الأمنية” التي يذهب البعض الى اعتبارها مبالغ فيها في علاقة بالحراك الاحتجاجي خاصة السلمي، فانه من المهم أن نشير الى أن التسرع باتهام الحكومة الحالية، بالسعي لاعادة انتاج النظام القديم، القائم أساسا على “دكتاتورية البوليس”، بناءا على الصدامات التي حصلت بين المتظاهرين وقوات الأمن، تعد أمرا مبالغ فيه وهي لا تعبر أيضا عن سياسة ممنهجة من قبل الحكومة تجاه التحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية.
الحاصل الان، هو وجود تبادل الاتهامات بين الحكومة والمحتجين، حول العودة لاستعمال “عصا البوليس” لفض الاحتجاجات. وهنا من المهم أن نشير الى أنها تعبر عن وجود “أزمة” ثقة”، في العلاقة بين الحكومة التي ترفض أن تكون قد اختارت الخيار أو الحل الأمني للتعامل مع الحراك الاحتجاجي، وبين المحتجين الذين يصرون على أن ما حصل من عنف تجاههم ، من قبل قوات الأمن يرتقي الى “العنف الممنهج “، وأن ما حصل ليس مجرد مناوشات بل يعبر عن “خطة أمنية”، يبدو أن حكومة المشيشي أقرت انتهاجها استعدادا لتصاعد موجة الحراك الاحتجاجي.
في ظل هذا التراشق، والتبادل للاتهامات بين الطرف الحكومي، وقيادات ورموز الحراك الاحتجاجي، حول طريقة التعاطي مع الحراك الاحتجاجي ورفض “دكتاتورية الحل البوليسي”، وفق عبارة المحتجين، لابد من الاشارة الى أن على الجانب الحكومي ان يدرك جيدا أن الحراك الاحتجاجي لم يفقد بريقه بعد مرور 10 سنوات من الثورة، بل أن أسبابه ربما ازدادت وتفاقمت اضافة الى بروز عوامل أخري تغذيه وتنفخ فيه.
كما أننا نقدر أن تونس دخلت في وضع جديد لا يمكن التعاطي معه بالحل الأمني، الذي جرب وفشل أصلا. وهو وضع متحرك داخليا واقليميا، اضافة الى وجود مواطن متحرر من الخوف ومجهز بالتكنولوجيا (وسائل التواصل الاجتماعي) ….اضافة طبعا الى ضعف الدولة ومؤسساتها، وبالتالي ضعف مراقبتها للمجتمع مثلما كان في السابق، خاصة عدم سيطرتها على العنف والاكراه /العنف الشرعي/ لضبط الأمن العام والاستقرار الاجتماعي.
Comments