مفارقات رمضان
هشام الحاجي
ساعات و يغادرنا شهر رمضان لهذا العام تاركا مكانه للاحتفال بعيد الفطر و لعودة الحياة إلى وتيرتها العادية .
و لا شك أن شهر رمضان هو شهر استثنائي في ما يرافقه من طقوس و ما يفرضه من نسق و خاصة في ما يحمله من قيم و مبادىء. إنه شهر مغالبة الشهوات و الرغبات و التسامي و الزهد في الدنيا و الترفع عن كل ما من شأنه أن يمس هذه الأبعاد الروحانية.
ليس تمرين الصوم عن الأكل والشرب إلا مدخلا من أجل التربية على الترفع و التضحية و الإيثار و الرقي و التعفف. و لكن يبدو أن رمضان هذا العام كان مرة أخرى فرصة ضائعة في الاقتراب من هذه القيم و المبادئ. تضاعفت وتيرة و معدلات الاستهلاك رغم أن المنطق يفرض تراجع الاستهلاك خاصة في ظل الصيام مع ما يعنيه من وجبات غذائية أقل.
سادت الرداءة و انعدام الإبتكار في المواد التلفزية المقدمة إذ لم نغادر طاحونة الشيء المعتاد ببهاراتها الضارة من عنف لفظي و إعادة إنتاج لمظاهر الفشل و الإحباط و الانحراف ومن مطابخ مفتوحة على تشجيع الاستهلاك و تغذية الشعور بالإحباط و الحرمان لدى قطاعات واسعة من التونسيين العاجزين بحكم تدهور مقدرتهم الشرائية على اقتناء الحد الأدنى من المواد الغذائية.
في شهر رمضان تواصل انتشار العنف و ضرب مرة أخرى داخل الأسر و أكد أن اللامعيارية قد ضربت النسيج الإجتماعي.
لم يستلهم ” الرؤساء الثلاث ” من قيم و مبادئ رمضان ما يجعلهم يتجاوزون خلافاتهم الشخصية و يضعون مصلحة البلاد فوق كل اعتبار كما أن شهر رمضان لم يحل دون التلاعب بآليات التلقيح ضد الكورونا.
إذ تتالت الفضائح في هذا المجال بل أن أحد أعضاء مجلس نواب الشعب ” الثوريين ” لم يجد حرجا من تبرير ما قامت به زميلته من خلال حصولها على التلقيح دون وجه حق بأن مواجهة الموت أقوى من الخضوع للاجراءات الجاري بها العمل و في ذلك تشريع لمنطق الغاب الذي يحاربه شهر رمضان الذي شهد هذا العام تنامي النزعة القطاعية و الفئوية التي تضرب التماسك الإجتماعي في العمق.
مرة أخرى يمضي رمضان دون أن يترك أثرا حقيقيا في النفوس و هو ما يطرح أكثر من سؤال حول تخلفنا الإجتماعي و الثقافي.
Comments