ملاحظات حول واقع الاعلام التونسي .. من هيمنة الدولة الى ” قبضة” الخواص !
منذر بالضيافي
من أبرز المكاسب التي تحققت في تونس بعد ثورة 14 جانفي 2011 هي حرية الرأي والتعبير. لكن، في المقابل نجد شيوع عدم رضى على مضامين الاعلام، فالتونسي لا يرى نفسه في اعلام بلاده، ويعتبره اعلام لا يعبر عن مشاغله، وهو بصدد العودة لمتابعة اخبار بلاد من خلال وسائل الاعلام الاجنبية، مثلما كان قبل الثورة. ما حصل هو أننا انتقلنا من اعلام تهيمن عليه السلطة الى اعلام تهيمن عليه تمويلات مالية غير معلومة المصدر والهوية.
بعد عشرية من ثورة 14 جانفي نلاحظ أن الاعلام التونسي، ينطبق عليه المثل الشعبي: “دار لقمان على حالها”، برغم مناخ الحرية، و خاصة العمومي، وأيضا القطاع الخاص الذي تحول الى اداة لتحقيق مآرب ” صاحب الباتيندة”، تحديدا الاعلام السمعي البصري.
على ان الملاحظة البارزة تتمثل في وجود تشغيلية هشة ولا تحترم الاتفاقيات الشغلية المعمول بها في البلاد، ما جعل القطاع طارد للكفاءات ، فضلا عن ” استغلال” الشباب من المتخرجين الجدد.
مما تقدم نشدد على أن الاعلام التونسي يمر بأزمة هيكلية منذ عشريات طوال من اأبرز أسبابها ما يلي:
1/
غياب مؤسسات صحفية منظمة ومهيكلة فأغلب الموجود -خاصة في القطاع الخاص ولحق به أيضا القطاع العام – لا يرتقي ليكون مؤسسة بل مجرد “دكاكين” يتحكم فيها تسييرا وتحريرا صاحب “الباتيندة” (الرخصة بالتونسي)..
2/
نقص وتراجع كبير في مستوي تكوين أغلبية خريجي الجامعة من مختلف الشعب (حقيقة لا يجب أن يتم السكوت عنها باسم التضامن داخل القطاع)..
3/
غياب التأطير والاحاطة داخل “دكاكين” عفوا المؤسسات الاعلامية، التي يفتقد اغلبها الى ادارات وجالس تحرير منتخبة تشرف على المحتوى الاعلامي.
4/
تراجع الاعلام العمومي بشكل غير مسبوق (وات و لابراس والاذاعة والتلفزة) اذ كان من المأمول أن يكون الاعلام العمومي قاطرة لاصلاح القطاع وهذا لم يحصل بل ان الاعلام العمومي نفسه تراجع كثيرا.
5/
حرص كل الحكومات -منذ الاستقلال الى الان – على عدم اصلاح القطاع وتهميشه لتسهيل عملية تدجينه و بالتالي لا يتحول الى سلطة مزعجة.
6/
عجز العاملين في القطاع والمنظمات المهنية -مثل نقابة الصحفيين وغيرها – عن وضع برنامج لاصلاح القطاع.
7/
هجرة الكفاءات للقطاع نحو المؤسسات الخليجية والأوروبية.
9/
انتقال الهيمنة على القطاع من الدولة التي كانت توظفه للهيمنة على المجتمع وتشكيل الراي العام الى القطاع الخاص الذي تتحكم به ” زمر ضغط” لها اجندات ومصالح خاصة.
وهو ما حول وجهة الاعلام من “خدمة عامة” الى ” سلعة” تخضع لقانون السوق ” العرض” و ” الطلب” او “بالفلاقي ” للبيع والشراء ( هيمنة البوز و “تمييع ” الذوق العام والهائه)..
و في محاولة أولية لرصد واقع الاعلام التونسي، بعد الثورة وخاصة وسائل الاعلام “الجماهيرية”، والتي نعني بعا تحديدا القنوات التلفزية، نلاحظ وجود شبه اجماع لدى الخاصة والعامة على حد السواء، بأن الاعلام التونسي فشل في ادارة حوار وطني حقيقي، يكون داعما و مؤطرا للانتقال الديمقراطي، بل أكثر من ذلك يكون حارسا له من كل محاولات الردة وما أكثرها، ومن هنا تبين بالكاشف أن مطلب الحرية لوحده لا يصنع “الربيع” .
Comments