منذر بالضيافي يكتب: “تونس ضحية الإدارة السياسية الفاشلة للوباء”
كتب: منذر بالضيافي
بعد سبات عميق، وبعد أكثر من سنة على بداية انتشار الوباء، وبعد أن حصد الوباء أكثر من 15 ألف مواطن تونسي، وبعد اعلان شركات سبر الآراء عن تراجع شعبيته، استفاق الرئيس التونسي قيس سعيد، هذا الأسبوع ودعا الى لقائيين متتاليين، حول وباء الكورونا (الكوفيد 19)..
الأول أمني صرف والثاني حكومى، لقاء مع مع رئيس الحكومة وبعض الوزراء، لقاء مع حكومة هو في قطيعة معلنة معها منذ تشكيلها، قطيعة في زمن وباء قاتل، بل القصر تجاوز في العلاقة مع القصبة القطيعة الى التعطيل، من خلال رفض التأشير على التحوير الوزاري الأخير، ليجعل حكومة المشيشي مشلولة.
في ظهوره المتأخر أقر “صاحب قرطاج” بفشل الحرب على الفساد، وأعلن عن اجراءات يجمع الكل على أنها لا ترتقي لهول الكارثة فضلا عن كونها جاءت متأخرة جدا، والأهم كشفت عن أن تونس تواجه حربا بلا خطة وبلا استراتيجية، وهو ما يفسر حجم الخسائر الكبيرة في الأرواح وفي النسيج الاقتصادي، الذي يتحمل صراحة مسؤوليته من يحكم.
ولعل أهم ما في لقاءات قرطاج الأخيرة، هو الاقرار بالفشل الذي تتحمل وزره ومسؤوليته كل الطبقة الحاكم، خاصة السلطة التنفيذية براسيها في القصبة وقرطاج، وأيضا حزب حركة النهضة ورئيسه ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي ما زال يناور للبقاء في الحكم، ولا يأبه بما يجري في حق البلاد والعباد.
برغم حالة الأزمة الشاملة والمركبة والمعقدة التي تعيش في أتونها البلاد، والتي فاقمت الأزمة الصحية من حدتها، فان الأزمة السياسية، تراوح في مكانها منذ الاعلان عن نتائج انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية، والتي يتأكد معها يوميا استحالة التعايش بين قيس سعيد، والحكومة المنبثقة عن الائتلاف الحاكم، بقيادة حركة النهضة، التي تسيطر على البرلمان.
أزمة تتطور في كل يوم فصولها، وترمي بظلالها السلبية على واقع التونسيين النفسي والاجتماعي، ما يفسر تصاعد أزمة الثقة في الطبقة السياسية، المصحوب بارتفاع غير مسبوق في نسب ومنسوب التشاؤم، الذي طال كل الفئات والشرائح المجتمعية، وبدأت عوارضه تبرز للسطح، من خلال تصاعد الجريمة والانتحار، والتمرد على أدوات الضبط الاجتماعي، التي تسهر على ادارة التعايش، ما جعلنا نشاهد بداية ضعف الدولة وحتى تفكيك أجهزتها ومؤسساتها.
يعيش التونسيون اليوم حالة قلق جماعي، في غياب رؤية تقود البلاد وفي غياب قيادة تدير شؤون البلاد، وهو ما تجلى بوضوح من خلال العجز والفشل في ادارة أزمة الكوفيد، ما جعل عامة الناس تشعر ب “اليتم الجماعي”، وأن دولتهم قد تخلت عنهم وتركتهم لوحدهم في مواجهة عدو شرس يقتل يوميا أحبابهم واصدقائهم.
ليتحول المشهد الجنائزي الى خبر عادي، نعم ان حجم المأساة جعلت الكثيرين يطبعون مع الموت، وجعلتهم أيضا لا يهابونه، من خلال عدم الالتزام باحترام ما يسمى ب “البروتوكول الصحي”، الذي يرون أنه سيقتلهم في بيوتهم، جوعا وأزمات نفسية، فاختاروا الموت في العراء في مواجهة الوباء، على الموت “كالبعير” في بيوتهم.
ان هذا “التمرد” الظاهر، لابد أن نفهمه وأن لا نستعجل ب “شيطنته” فقط، مثلما تسرعنا في العديد من المناسبات الى “شيطنة” الحراك الاحتجاجي، لابد أن نفهم دواعي واسباب ما يحصل في رحم مجتمعنا، في لحظة فارقة يحاصره فيها الموت من كل الأركان، في ظل استمرار عبث حكامه بمصيره الحاضر، وبمستقبل أجياله القادمة.
فالتونسي اليوم لا يثق في حكامه ولا في دولته، وهذا خطير ويهدد العيش المشترك، وينذر بالانزلاق نحو سيناريوهات مخيفة، كما أن انتشار الوباء بصفة كبيرة والذي أصبح في وضع “انفلات” كبير ومخيف، هو أيضا ينذر بحصول كارثة صحية ومجتمعية وانسانية، خصوصا ونحن نلاحظ يوميا الارتفاع الكبير واللافت في عدد الاصابات والأهم في عدد الوفايات، وبداية بروز مؤشرات على توقع انهيار في المنظومة الصحية، التي تعاني من الهشاشة ومن أزمة هيكلية منذ سنوات.
Comments