الجديد

منذر بالضيافي يكتب: زلزال غزة ..  “نكبة جديدة” أم “مسار “سلمي جديد”؟

منذر بالضيافي

تبرز مجريات الحرب على غزة أن إسرائيل وبدعم امريكي وغربي، لن توقف “هجمتها البربرية”  وذلك بشهادة المقربين منها، و أيضا التقارير المعلنة والمسربة، الا بوضع غزة تحت سيطرتها – لا يعني ذلك بالضرورة احتلالها -، لكن لن تتركها الا و هي خالية من المقاومة ومن كل مقومات الحياة، و فارغة أو تكاد من سكانها، وبالتالي ينتفي “خطرها” على الأمن القومي الاسرائيلي من جهة، ويسرع بإتمام مسار التسوية/ التطبيع في منطقة الشرق الأوسط والخليج من جهة ثانية.

فهل نحن نسير باتجاه نكبة ثانية، بعد موجة تقتيل دموية غير مسبوقة في تاريخ البشرية أم الى “تسوية” تحيي مسار سلام جديد ؟

مع كل يوم حرب جديد في غزة، التي استمر على اندلاعها 45 يوما،  تتحول غزة الى فاعل مؤثر في المنطقة / الاقليم وفي العالم، خاصة مع اصرار إسرائيل، على جعل حربها ترتقي الى ابادة جماعية، وقتل لكل مظاهر الحياة، في قطاع متروك ومنسي ومعزول منذ سنوات طوال.

لكن واقعة السابع من اكتوبر، التي تعد أول عمل هجومي من المقاومة، اعتبرته تل أبيب و مسانديها في الغرب يرتقي لعمل “ارهابي”، وبالنسبة لأنصار القضية الفلسطينية ، فان ما قامت به المقاومة ساهم في رفع الحصار الاعلامي والسياسي والديبلوماسي عن القطاع، برغم أنها أغرقته في أنهار من الدماء والتقتيل الوحشي، الغير مسبوق منذ أكثر من عشرية كاملة في العالم، وفق تقارير المنظمات الدولية.

عملية 7 أكتوبر وما رافقها من بعد استعراضي،  تفسر “غضب” اسرائيل وردة فعلها الدموية، لكنها سمحت للمقاومة  في غزة من رفع الحصار عن القطاع، واعادته  – ومعه القضية الفلسطينية – الى الواجهة الدولية، بعد أن عرف طيلة سنوات حكمها أشد وأعتى حصار.

أعادت عملية “بركان الأقصى” القطاع المحاصر بقوة ليتصدر المشهد الدولي، وهو ما سيستمر طالما نيران المدافع وازيز الطائرات  يهز ارض وسماء القطاع ، الذي نجح برغم الدمار وماكينة القتل المدمرة في تحويل بل تصدير عزلته الى عدوه والى داعميه من الغرب ومن الاصدقاء في المنطقة، على الأقل في البعد الانساني والقيمي.

تبرز مجريات الحرب على غزة أن إسرائيل وبدعم امريكي وغربي، لن توقف “هجمتها البربرية”  وذلك بشهادة المقربين منها، و أيضا التقارير المعلنة والمسربة، الا بوضع غزة تحت سيطرتها، وهي خالية من المقاومة ومن كل مقومات الحياة.

و تكشف أعمال إسرائيل العسكرية بفلسطين – ليس غزة فقط بل أيضا الضفة الغربية- في شهرها الثاني، على  ان الغاية من المجزرة الجارية في قطاع غزة، هو تغيير شكل القطاع و خلق نكبة جديدة، وهذا أصبح واقعا بشهادة أكثر المقربين من تل أبيب، وأيضا ما أكدته تصريحات الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، فقد صرح أنطونيو غوتيريش: “نشهد مقتل مدنيين  بشكل غير مسبوق في أي صراع”، ومع ذلك تقف المنظمة عن ايقاف “نهر الجنون” المتدفق.

برغم حالة الدمار غير المسبوقة كما شهد بذلك الأمين العام للأمم المتحدة، فانه ليس هناك ما يشير الى أن حكومة ناتنياهو اليمينية، ستقف الحرب “حتى تحقيق ما سبق و أن أعلنت عنه، وفي المقام الأول القضاء على “حماس” و تفكيك البنية التحتية للمقاومة وبالتالي التمهيد لإنهاء حكم حماس للقطاع، ويعد هنا ضرب التركيبة الديمغرافية أولوية مطلقة لإخضاع القطاع، وهذا ما يفسر الاصرار على تهجير سكان الشمال، وذات السيناريو بدأ مع جنوب القطاع، لفرض خيار التهجير لا داخل القطاع وانما خارجه.

في هذا السياق، أشارت تقارير اعلامية دولية، الى أن “اسرائيل تحشد الدعم الغربي للضغط على مصر من أجل تهجير أهالي غزة إلى سيناء مقابل حذف الديون”. في مقابل هذا العزم الاسرائيلي تشير كل مواقف القيادة المصرية، على وجود رفض قطعي لتوطين أهالي غزة في سيناء المصرية.

كما أشارت تقارير صحفية متطابقة الى “تصاعدت التوقعات بازدياد التوتر في علاقات القاهرة وتل أبيب، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي تطوير عملياته العسكرية في غزة باتجاه المناطق الجنوبية للقطاع، وهو ما يتواكب مع حركة نزوح واسعة للسكان الفلسطينيين باتجاه المناطق الجنوبية القريبة من الحدود المصرية، في وقت تتمسك فيه القاهرة بموقفها الرافض للإجراءات الإسرائيلية لكل محاولات تهجير الفلسطينيين «داخل قطاع غزة أو خارجه»..

وهنا تتمادى اسرائيل في احراج الجانب المصري، و من ورائه كل “اصدقائها” في المنطقة، لأنها  تدرك جيدا أن “الترتيبات” التي بدأت ما قبل 7 أكتوبر، التي “شوش” عليها تحرك المقاومة، لكن ليس بوسعه أن ينسفها، وهذا ما عبر عنه كل الفاعلين في المنطقة – أمريكا و مصر ودول الخليج و أيضا اسرائيل – .

فكل ما ترتب عن “زلزال” المقاومة، برغم هوله فانه لن يؤثر على استمرار مسار التطبيع بين اسرائيل و الدول العربية الذي سيبقى مطروحا وبقوة على الطاولة، وسيتم استئنافه حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها، ما يعني أن “البنية الأساسية للنظام الاقليمي”، التي بدأت مع ما عرف باتفاقات “ابراهام”، ووصل قطارها للمملكة العربية السعودية، ما تزال صامدة بل ومتماسكة برغم الصور الصادمة للعقل الانساني القادمة من قطاع غزة، الذي حولته الالة العسكرية الإسرائيلية – بصمت اقليمي ودولي- من “سجن كبير مفتوح” الى “مقبرة كبيرة مفتوحة”، و أن أكثر ما يمكن أن تحدثه أحداث غزة – على دمويتها – هو تحقيق “اختراق” في تفعيل “مسار سلام جديد”، يحاول الاستفادة من دروس فشل مسار أوسلو الذي مر عليه 30 سنة.

من هنا، فان الحرب الوحشية والاستعمال المفرط للنار في قطاع معزول عن العالم منذ اكثر من عشريتين ، و الذي تزامن مع دعم دبلوماسي واعلامي غربي غير مسبوق ، ليس الا مقدمة لترتيبات جيو بوليتيكية في المنطقة وفي العالم في علاقة بما أشرنا اليه والمتمثل في احياء عملية السلام، التي عادت بقوة مع عودة خيار الدولتين، كمدخل لإيجاد “تسوية” للقضية الفلسطينية و أيضا للصراع العربي الاسرائيلي.

فالحروب هي اداة و وسيلة لتحريك التاريخ، واعادة  رسم الخرائط و النفوذ، ولا نبالغ بالقول بكون ما يحدث في غزة  سيشكل مستقبل الشرق الاوسط و العالم، عندما يتخذ قرار اسكات المدافع، لكن وفق ارادة وتصور من يملك القوة وبيده قرار الحرب والسلم، وهنا التفوق لاسرائيل المدعومة من قبل الامبراطورية الامريكية ذات النفوذ الممتد، وبقبول – حد الحماسة – من الفاعلين الرئيسيين في المنطقة – مصر و دول الخليج -، التي لم تكن جهود التطبيع بالنسبة لها مجرد “تزيين واجهات دبلوماسي”.

وهذا ما يتبن من خلال مواقف الدول العربية والاسلامية، المعنية مباشرة بالصراع العربي الاسرائيلي، والباحثة عن “تسوية” في منطقة الشرق الأوسط، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما كشفت عنه مخرجات القمة العربية الاسلامية، التي انعقدت في الرياض، بمشاركة قوية من كل من ايران و تركيا – أهم دول المنطقة الى جانب المملكة ومصر-، والتي لا تريد كلها توسيع نطاق الحرب، بما في ذلك “التصريحات” ذات الايقاع العالي الصادرة من أنقرة وطهران، التي تبقى في دائرة الاستهلاك الاعلامي والسياسي الداخلي، لكن جوهر الموقف لا يختلف عن الرياض و القاهرة.

واهم، من يتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستترك الشرق الأوسط والخليج، هذه المنطقة الجاذبة استرتيجيا – جغرافيا و الغنية بالثروات – لحالها ، خاصة مع تنامي وتصاعد الخطر الصيني وبداية تمدده في المنطقة .

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP