موجود على كل الجبهات .. الحضور “الهادئ” للمؤسسة العسكرية
منذر بالضيافي
اثر مكالمة هاتفية جمعت الثلاثاء 5 ماي 2020، وزير الدفاع عماد الحزقي ، مع كاتب الدولة للدفاع الأمريكي مارك إسبر “Mark Esper” ، نقل بلاغ رسمي لوزارة الدفاع التونسية، أن المسؤول الأمريكي عبر عن ” التزام الإدارة الأمريكية بالوقوف إلى جانب تونس وعن استعدادها الدائم لدعم القدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية التونسية في مجالي تبادل الخبرات وتوفير التجهيزات لمجابهة التحديات الإقليمية المطروحة وتنويهه بالمستوى الرفيع الذي بلغته القوات الخاصة التونسي”.
بالنظر للسياق السياسي والأمني في المنطقة، فان الاتصال الهاتفي يتزامن بالخصوص مع تصاعد العمليات العسكرية في ليبيا، بين طرفي الصراع المتمثل في المشير حفتر ( المدعوم من قبل المحور الاماراتي –السعودي والمصري) من جهة ، وحكومة الوفاق التي تسيطر على المنطقة الغربية ويراسها السراج (المدعوم من قبل تركيا وقطر وجماعة الاخوان المسلمين) من جهة ثانية، مواجهات أسفرت لحد الأن عن حصول تقدم ميداني لفائدة حكومة الوفاق وتراجع لقوات حفتر، والذي تحقق بعد التدخل العسكري التركي على الأرض، وهو ما سمح ببداية تغيير الواقع الميداني، الذي لو استمر ستكون له دون شك تداعيات بل وتسويات سياسية، ستكون لفائدة حكومة الوفاق وحلفائها، فالمعارك العسكرية هي التي تفرض التسويات السياسية.
لا يمكن عزل ما يحصل على الأرض في الصراع الليبي- الليبي، والانتصارات العسكرية لصالح السراج، عن الكواليس والتصريحات السياسية، سواء لدول المنطقة أو ما يعرف بدول الجوار، أو للعواصم العالمية المتدخلة في الصراع، والتي برزت بوضح بعد اعلان حفتر “الغاء اتفاقية الصخيرات”، وما صاحبها من ردود فعل دولية وإقليمية ( تونس والجزائر) رافضة ل “الانقلاب على الشرعية الدولية”، بما يعني التمسك ب “شرعية” حكومة السراج في طرابلس، وهو دعم تصدقه واقع الميدان، من خلال الحضور التركي المكشوف الوجه والمعلن، في العمليات العسكرية، مما سمح ب “قلب الظاولة” لصالح حكام طرابلس، وهو ما كان له أن يتحقق لولا وجود “ضوء أخضر” أمريكي لأردوغان.
بالعودة للاتصال الهاتفي التونسي – الأمريكي، فانه يمثل دعم سياسي للموقف التونسي في علاقة بالأزمة الليبية، وهو موقف يصر على التمسك بالشرعية الدولية، في التقاء مع الموقف الجزائري، والأهم مع الرؤية الأمريكية للحل، التي بدأت بوصلتها تتجه نحو دعم الغرب الليبي، وهو الأقرب ل “هوى” الدبلوماسية التونسية منذ تولي الراحل الباجي قايد السبسي مهام الوزير الأول في مارس 2011، واستمر هو ذاته دون تعديلات جوهرية، حتى مع الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي يقدم على أنه يخضع في المقام الأول الى “المصلحة” التونسية، في علاقة بالتعاون الاقتصادي، والامتداد السوسيولوجي فضلا على البعد الأمني، اذ تمثل ليبيا عمقا استراتيجيا للأمن القومي التونسي، يفترض تعاطي حذر وبراغماتي مع الجهة التي تسيطر على الغرب الليبي.
كما أن التعاون العسكري التونسي الأمريكي ، يتجاوز التنسيق في الموقف الليبي الى الأمن في المنطقة وفي الساحل الافريقي، تحديدا في مراقبة ومحاربة تمدد الجماعات الارهابية.
هذا التعاون المستمر بين الجانبين أكد عليه بلاغ وزارة الدفاع التونسية الأخير، الذي أكد على تواصل “الشراكة العسكرية” بين البلدين، حيث اشارت الوزارة في بيانها الى “ان الحزقي وجه دعوة إلى نظيره الأمريكي لزيارة تونس بمناسبة انعقاد اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة التونسية الأمريكية خلال النصف الأول من شهر جويلية القادم”.
للاشارة، فقد تدعم البعد الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية التونسية بشكل بارز وملحوظ بعد ثورة 14 جانفي 2011 ومع كل الحكومات التي تداولت على ادارة تونس، بما في ذلك خلال فترة حكم الترويكا بزعامة حزب النهضة الاسلامي، وهي “شراكة” تستمر الى يوم الناس هذا، ولا يتوقع أن يتغير سيرها بل المرجح مزيد تدعيمها.
أما مجال التعاون العسكري، فقد عرف بدوره تطورا لافتا بعد الثورة، في هذا الاطار نشر موقع مركز “كارنيغي للشرق الأوسط”، الأربعاء 24 فبراير 2016، دراسة هامة حول موقع ومكانة الجيش التونسي بعد ثورة 14 جانفي 2011، خاصة الدور المركزي الذي لعبه، في حماية مسار الانتقال السياسي، دون التدخل المباشر فيه، وبالتالي البقاء بعيدا عن التجاذبات السياسية والإيديولوجية.
و تحت عنوان “ثورة هادئة: الجيش التونسي بعد بن علي”، تناول الباحث الأمريكي شاران غربوال، من جامعة برينستون، عودة الجيش في تونس ليكون له موقع في الانتقال الديمقراطي الجاري، بعد أكثر من خمسة عشريات من التهميش، طيلة فترة الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة، وخلفه الرئيس زين بن علي الذي قامت عليه ثورة جانفي 2011.
كما أن دور المؤسسة العسكرية، اصبح واضحا ومؤثرا في الشأن المدني التونسي، خاصة في الأزمات الكبرى، و التي جعلت السياسي لا يتأخر في استدعاؤه لإسناد الدولة، ولعل اخرها المشاركة القوية في ادارة أزمة انتشار وباء الكورونا (الكوفيد- 19).
Comments