مُبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل .. أي فُرص للنجاح؟
المهدي عبد الجواد
في غمار التسابق الوطني لإطلاق مبادرات الإنقاذ، والدعوات المُتلاحقة لعقد مؤتمر وطني للحوار، وأمام غياب شخصيات وطنية من داخل منظومة الحُكم أو حتى من خارجه تحظى بإجماع وطني ولها رصيد يسمح لها بالتحوّل إلى “حكم” بين مُختلف المتداخلين، انضم الاتحاد العام التونسي للشغل “للجوقة” وصرّح أمينه العام السيد نورالدين الطبوبي بكون الاتحاد سيتقدم بمبادرة “لتجميع التونسيين” من اجل تجاوز هذه المرحلة الخطيرة. ورغم أن هذه المبادرة ماتزال مجرّد إعلان نيّة، ولم تتوضّح بنودها وتفاصيلها بعدُ، فإن الشكوك سبقتها. فإعلان الــ “عزم” على المُبادرة دون أن تكون جاهزة، وتأخر كشف تفاصيلها يجعل التساؤلات حول نجاحها أو فشلها مشروعة.
أسباب النجاح
ينطلق اتحاد الشغل في مبادرته من رصيد تاريخي كبير. فأدواره الوطنية أمر معلوم تعود إلى ما قبل الاستقلال. فقد كان لدوره في النضال من اجل التحرّر الوطني حاسما، وقاد مؤسسه فرحات حشاد الحركة الوطنية في فترة صعبة. ثم ساهم في بناء الدولة الوطنية، سياسيا واقتصاديا وأمن الإصلاحات الكُبرى، في الصحة والتعليم خاصة، وكان “التقرير الاقتصادي والاجتماعي” هو نواة “المشروع الوطني” الذي تأسست عليه الدولة.
وأسهم الاتحاد في توسيع دائرة المكاسب الاجتماعية وكان الفضاء الذي انخرطت فيه كل القوى السياسية للنضال من اجل الحريات عندما كان الاستبدادُ شديدا، وتوج ذلك باحتضان الحراك الشعبي أيام الثورة وحمى الدولة بعدها وأمن استمرار الانتقال الديمقراطي عبر رعاية الحوار الوطني.
هذه حقائق التاريخ التي تدعم دور الاتحاد عند مختلف الفاعلين. كما ان الاتحاد بوصفه منظمة غير منخرطة في الصراع المؤسساتي او الحزبي او السياسي المباشر، ويُفترضُ بها انها على نفس المسافة من مؤسسات الحكم والأحزاب، تحظى بثقة الجميع، بما في ذلك بقية المنظمات المهنية والاجتماعية الاخرى، للعب دور “الحكم” ومهمة “التحكيم” بينها. كلّ هذا علاوة على ما يتمتع به الاتحاد كمنظمة من خبرات في إدارة المفاوضات وتسهيل صعوباتها، وادوار الوساطة وفض النزاعات وهي من صميم العمل النقابي.
أسباب الفشل
كل ما تقدم حول عوامل النجاح لا تحجُبُ في الحقيقة عوامل مُعرقلة أخرى لن تقود إلا إلى الفشل. ونحن نعتقدُ أن عوامل الفشل أكثر قوّة من عوامل النجاح نفسها. فالسياقات التي لعب فيها الاتحاد أدواره المهمة/الخطيرة وطنيا لم تعُد هي نفسها. فقد كان الأمر تاريخيا في إطار “تقاسم أدوار” وشراكة فعلية مع الحزب الدستوري الحاكم، بحسب موازين القوى، ولكنها كانت دائما داخل “منظومة الحُكم” وهو الأمر الذي لم يعُد متوفرا اليوم.
يعُد ثمة توازن داخل منظومة الحُكم ولم يعُد يحقّ للاتحاد التباهي بدوره الوطني. فالشرعية صارت نتيجة الصناديق الانتخابية، ولم تعُد “المشروعية التاريخية” تعني شيئا كثيرا لفاعلين سياسيين واجتماعيين جُدُدْ. بل إن الكثير من القوى “الصاعدة” تعتبر ان دور الاتحاد المتعاظم يحتاج إعادة نظر. وهيمنته على الحياة السياسية فاق حدوده، وانه صار بفعل”مغالباته” النقابية ومبالغاته في استغلال ضُعف الحكومات المُتعاقبة لتحصيل فوائد لمنظوريه دون مراعاة لوضعية البلاد الاقتصادية وموازناتها المالية، وهو اليوم يستعد للمطالبة بجولة مفاوضات جديدة، عوامل توتير للأجواء مما يمنعه من القيام بدور تحكيمي.
يلام على الاتحاد أيضا انخراطه المباشر في الصراعات السياسية، حتى في أبعادها الانتخابية. ويتذكّر الجميع اصطفاف الاتحاد مع “شق الحافظ قائد السبسي” ضد غريمه يوسف الشاهد في صراع النداء الداخلي، وكذلك إعلانه دعم عبد الكريم الزبيدي في الانتخابات الرئاسية. وهو اليوم “شبه مُتحالف” مع قيس سعيد ومؤسسة الرئاسة ضد رئيس المجلس النيابي وحتى ضد الحكومة. ولا يخفى أيضا حالة العداء المُستحكم بين الاتحاد وائتلاف الكرامة عداء سيكون له دوره في نجاح أو فشل المبادرة.
فلهذا الائتلاف حوالي عشرين نائبا مما يجعله ذا وزن برلماني لا يُمكن الالتفاف عليه. فكيف سيتعامل الاتحاد في مبادرته معه؟ ويتهم هذا الائتلاف وكثيرون غيره من القوى السياسية وحتى النقابية اتحاد الشغل، بكونه “مُخترقٌ” من تيارات سياسية يسارية وشعبوية توجّه سلوكاته وتتحكّم في توجهاته العامة بحسب منطلقات ايديولوجية، وهي التي لا شرعية انتخابية لها.
كما ان الوضعية الداخلية للاتحاد لا تُساعدُه على “التفرّغ” لانجاح هذه المبادرة. إذ يمضي الاتحاد اليها وهو يشكو صراعا داخليا حول الفصل 20 من النظام الداخلي، وتروم القيادة الحالية التمديد لنفسها وسط “احتجاجات” نقابية وتشكيك في شرعية ذلك. فكيف لمن يتم التشكيك في شرعيته وسلامة “حوكمته” للمنظمة داخليا أن يفرض هذه “المشروعية” خارجيا؟
تبدو عوامل الفشل في تقديرنا أهم بكثير من عوامل النجاح. وهذا يتطلّب مزيدا من التشاور مع جميع القوى بما فيها “المُعادية” للاتحاد أو للمبادرات حتى تتوفر عوامل جدية للنجاح. ويبقى دور رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب محدد في تقديرنا لدفع جميع الفاعلين على قبول المشاركة الفعالة في إنجاح مبادرة اتحاد الشغل. ولكن هذا يتطلّب من المنظمة الشّغّيلة توسيع دائرة المشاركين.
فثمة قوى فاعلة جديدة، مدنيا وسياسيا لا بد من مشاركتها في كل حوار وطني، ولا يجب على اتحاد الشغل الانخراط في عملية “الانتقاء” بحسب المصالح وبحسب الميولات.
تواجد اتحاد الفلاحين والاتحاد النسائي أمر حيوي لعلّه أهم في الحقيقة من المنظمة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان او حتى عمادة المحامين. ومنظمة كوناكت صار لها تواجد مهم، بل لعله يفوق منظمة اتحاد الصناعة والتجارة وكذلك المنظمات النقابية الأخرى، اتحادات الطلبة وكثير من الجمعيات الشبابية التي يلتف حولها عشرات الآلاف، ولها ممثلون في كل الجهات لا بد من بحث صيغ مشاركتها. المطلوب مؤتمر وطني حقيقي يمزج بين الشرعيات والمشروعيات لا هدف له غير “الإنقاذ الوطني”.
Comments