نبيل القروي .. قلب المعادلة السياسية
خديجة زروق
كشف الحراك السياسي المتسارع، الذي تشهده الساحة السياسية، في علاقة بتشكيل الحكومة، من قبل الياس الفخفاخ المكلف من قبل رئيس الجمهورية، عن الدور المحوري والمركزي لحزب نبيل القروي “قلب تونس”، الذي بحوزته ثاني كتلة في البرلمان (38 نائبا) بعد كتلة حركة النهضة (54 نائبا)، الذي تحول الى “قلب المعادلة السياسية”.
استرد نبيل القروي بسرعة المبادرة بعد أن منحها منذ شهر و بشكل مفاجئ إلى يوسف الشاهد الذي اقنعه حسب تصريحاته بضرورة و جدوى عدم منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي.
اسقاط حكومة الجملي، لم يفسد الود بين القروي والاسلاميين، الذي له الفضل الكبير في وصول زعيمهم راشد الغنوشي الى رئاسة مجلس نواب الشعب، الذي ما كان له أن يتحقق لولا تصويت كتلة “القلب” لفائدته.
لعل هذا ما يفسر عودة التنسيق، بقوة وبأكثر “مبدئية” بين الغنوشي ونبيل القروي، في تحديد مصير حكومة الياس الفخفاخ (حكومة الرئيس)، الذي عمد في أول خروج اعلامي له الى اقصاء حزب القروي، واضعا بذلك كل بيضه في سلة النهضة، التي تمسكت بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، يشارك فيها “قلب تونس”، وتمترست وراء هذا الموقف الذي اعتبره البعض مجرد مناورة لتحسين شروط التفاوض.
غير أن موقف شورى النهضة الأخير، الذي أعلن فيه عن رفض المشاركة في حكومة الفخفاخ وكذلك رفض التصويت لها، موقف ساهم في توتير العلاقة مع رئيس الجمهورية الذي هدد بحل البرلمان في حالة عدم منح الثقة ل “حكومة الرئيس”، لكنه جعل العلاقة بين الغنوشي والقروي تأخذ شكل “تحالف سياسي”، مكن النهضة من ورقة تفاوضية قوية هي في أشد الحاجة اليها، في معركتها مع قرطاج.
في المقابل، تحول “قلب تونس”، الى طرف رئيسي وفاعل وبدأ يقدم نفسه كوريث لتركة “نداء تونس”، في استمرار نهج التوافق مع الاسلاميين، الذي بدأه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
في هذا الاطار، لا شك أن تطلع نبيل القروي إلى التقاء الاحزاب التي توصف بالوسطية و الحداثية في كتلة موحدة، هو تطلع مشروع و مهم لتطور الحياة السياسية، و هو ما يعني أن النقد يجب ان يوجه اساسا لمن تخلى بسرعة عن السير في طريق صعب و لكنه قد يكون مثمرا.
و رغم ما يبدو من تقلبات في مواقف نبيل القروي و قلب تونس فإن ما لا يجب تجاهله أن هذه الحركة قد تحولت إلى رقم محدد في المعادلة البرلمانية على الأقل، إذ كانت لها الكلمة الفصل في انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب و في الإطاحة بحكومة الحبيب الجملي و هي حاليا حجر الزاوية في ما يتعلق بتحديد مصير حكومة إلياس الفخفاخ.
هذه الوضعية تعود إلى قدرة نبيل القروي على الحفاظ على تماسك كتلة حزبه، التي سبق وأن أعتقد عديدون أنه يسهل اختراقها و شق صفوفها.
كما وفق القروي، الوافد الجديد على الحقل السياسي، أن يمزج بين “البراغماتية” و “المبادئ”، وسلوك سياسة شعارها “صفر مشاكل”، تقوم على تجنب القدح في الخصوم السياسيين و الابتعاد عن المناكفات و قبول الحوار دون التخلي عن شعارات الحزب و أهدافه.
و لا شك أن نجاح قلب تونس في الحصول في الانتخابات التشريعية على مقاعد هي ضعف ما تحصلت عليه أحزاب وظفت إمكانيات هائلة يمثل دليلا على وجود طلب اجتماعي على خطاب نبيل القروي و حزبه، خاصة و أن السنوات الأخيرة قد زادت في تفقير التونسيين.
لكن محاربة الفقر لا تكفي لوحدها للانفتاح على فئات أخرى و للعب دور أكبر ممكن من الناحية الموضوعية خاصة و أنه لم يقع لحد الان تعبئة الفراغ الذي تركه تشظي و تشرذم حركة نداء تونس.
و هذا ما يعني أن قلب تونس الذي تخطى سياق النشأة الصعب و غير التقليدي لأنه ولد من رحم جمعية خيرية بنجاح يجد أمامه حاليا مهام أكبر من حيث الكشف عن كل مكونات برنامجه و القدرة على استقطاب كفاءات و حساسيات أخرى و إستكمال الهيكلة، خاصة و أن بعض الاصوات تشير إلى أن قلب تونس لا يملك حضورا على المستويين الجهوي و المحلي.
أما المهمة الاصعب فهي تحديد طبيعة العلاقة مع حركة النهضة لأن المهادنة لا تفيد أحدا و لأن نهج المواجهة قد احتكرته عبير موسي و لأن تجربة التوافق التي وجهت الحياة السياسية من 2014 الى 2019 قد افرزت سلبيات تفوق ايجابياتها.
مهام يمكن أن تمنح لنبيل القروي و حزبه لو نجح فيها افقا أوسع و أن تحوله إلى رقم أهم و أكثر تأثيرا في المشهد السياسي القادم.
Comments