الجديد

نحن والاتحاد الأوروبي .. حب من طرف واحد  

هشام الحاجي
لا شك ان ابقاء تونس ضمن اللائحة الاوروبية المتعلقة بالدول “المتهاونة “في مكافحة الارهاب و غسيل الاموال لا يفرح اي تونسي لان في ذلك مسا بصورة بلادنا يتجاوز الحكومة ليطال كل التونسيين . و اذا كانت الحكومة مدعوة للعمل على “بذل الجهد” و تلافي تبعات هذا “التهاون” في اسرع وقت ممكن فان مساءلة الاليات التي تقف خلف “التصنيفات” الاوروبية ” قد تكون مفيدة خاصة و ان تونس “تلهث ” منذ سنة 1995 لإقامة شراكة استراتيجية مع الأوروبيين.
ان طريق الشراكة مع الجار الاوروبي ليست بالأمر البسيط لأنها لا تقوم على الندية بل تتأسس على املاءات احادية الجانب . و تكشف احادية الاملاءات عن علاقة لا متكافئة لا يأتي التحالف الاستراتيجي مع الاتحاد الاوروبي من اجل تجاوزها و بناء علاقات قوامها التكافؤ و الندية و حسن الجوار حسب الاهداف البراقة المعلنة بل لتعميقها , و حين نبرز الاسلوب الاوروبي في تكريس هذه التبعية و اللاتكافؤ فإننا لا ننفي مسؤولية حكوماتنا المتعاقبة منذ اكثر من عقدين في تغذية هذا الاختلال.
كل حكوماتنا كانت ولا تزال تعتبر اقامة علاقات مع الاتحاد الاوروبي هدفا في حد ذاته و هو ما جعلها تميل في اغلب الاحيان الى تقديم تنازلات غير مفهومة . و يضاف الى ذلك انها تتعامل مع التعاون الاوروبي وفق طريقة تعاملها مع الساحة الداخلية مع ما يعنيه من ضعف الشفافية و ايضا توظيف هذا التعاون لخدمة المقربين و لتعميق “الزبونية ” .
لقد ادى ذلك الى ضعف تأثير برنامج تأهيل المؤسسات الاقتصادية قبل جانفي 2011 و الى صياغة القوانين بطريقة تخضع ل”ابتزاز ” بعض القطاعات و هو ما جعلها تعجز عن ضمان الشفافية خاصة في ما يتعلق بغسيل الاموال و مكافحة الارهاب . و اما نقطة الضعف الاكبر فتتمثل في خوض المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي.
خاضت دول الفضاء المغاربي مفاوضاتها مع الاتحاد الاوروبي منفردة و هو ما ادى الى اضعاف موقفها التفاوضي . و ليست تونس هي التي تتحمل بمفردها مسؤولية هذا الخطأ لان الدول المغاربية الاخرى قد اتبعت نفس الطريق و هو ما ساهم في تغذية صراع اقتصادي محموم بين تونس و المغرب من اجل نيل القبول الاوروبي .
و يبرز التوقف عند بعض الجوانب التاريخية للتعاطي الاوروبي مع تونس، ليبرز لنا بوضوح ان الاتحاد الاوروبي لن يغير اسلوبه و سيواصل البحث عن “اسباب موضوعية ” و عن “تعلات ” من اجل عدم الايفاء بكامل تعهداته تجاه تونس و من اجل فرض شروط و املاءات لا علاقة لها بالندية وتتجاوز احيانا اطار العلاقات بين بلادنا و الفضاء الاوروبي .
ان اوروبا معنية حاليا بدفع تونس الى القبول باتفاقية ‘الاليكا” و الى الاسهام في مسار التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني . و يضاف الى ذلك ان العلاقات مع الاتحاد الاوروبي تبقى محكومة برغبة القوى المهيمنة على القرار في اوروبا في الابقاء على تبعية بلادنا للقارة العجوز و يكفي ان نشير هنا الى العراقيل و العوائق التي تضعها الدول الاوروبية منفردة او مجتمعة امام تطوير تونس لعلاقاتها مع روسيا او الصين او كوريا ، و الى انه من الصعوبة بمكان ان نتصور شروطا تضعها بلادنا امام الاتحاد الاوروبي .
و في تقديرنا فانه من الوارد ان تكون هناك “شروط” اوروبية جديدة طالما كنا في وضعية العجز و الحاجة خاصة بعد ان اخذنا نفقد يوما بعد يوم مكاسبنا الاقتصادية و يزداد وضعنا هشاشة في ظل تنامي العجز التجاري و تراجع قيمة الدينار و تزايد حاجتنا الى المنح و الهبات و القروض .
يضاف الى ذلك  ان اغلب الفاعلين في المشهد السياسي حاليا “يدينون” ببعض الدين للاتحاد الاوروبي و مؤسساته في تخليصهم من الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي و ابقاهم في حالة انتظار ستطول للوعود الاوروبية التي اطلقت جزافا   مباشرة بعد 14 جانفي 2011 قبل ان يقع التنصل منها في صمت لان المصلحة الاوروبية هي اساس تعاطي بروكسيل معنا .
و اذا كنا من الرافضين لكل اشكال الانغلاق فان تعديل كفة العلاقات مع الاتحاد الاوروبي يمر عبر الدفع في اتجاه التكامل و النديىة و نحو تحميل الجانب الاوروبي مسؤولياته لان كل المعايير و الاجراءات الحمائية التي يتخذها تخدمه و تدعم اقتصاده اكثر مما تخدمنا علاوة على ضرورة المسك بالحق في التنويع الحقيقي للشركاء الاقتصاديين لبلادنا ….بعبارة اوضح لا يمكن اصلاح العلاقة مع الاتحاد الاوروبي دون تكريس دولة الشفافية و القانون و دون اعطاء مفهوم السيادة الوطنية كل ابعاده و دلالاته.
 
 
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP