نحن وحرب اوكرانيا .. عالم جديد يولد في غفلة منا !
منذر بالضيافي
بعد سنتين من الوباء ( كوفيد-١٩)، الذي اوقف النشاط الكوني، فضلا عن تسجيل ارقام فلكية في عدد الوفيات، وبشر بمآلات دخول البشرية في طور جديد، لم يتبلور بعد لكن الحرب الجارية في قلب اوروبا ستسرع به.
دخل العالم منذ أكثر من اسبوعين، في ” محنة” أشد بأسا وضراوة من “محنة الوباء”، فمنذ أيام اندلعت ” الحرب” ( غزو روسيا لأوكرانيا ) في قلب القارة العجوز – أوروبا – التي تنعم بالاستقرار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في منتصف القرن الماضي.
هذه الحرب، التي حملت معها ايضا مخاوف عديدة ومركبة، اذ أنها ضربت في مقتل اسس النظام العالمي ( الأمم المتحدة و القانون الدولي)، فضلا عن أنها فجرت صراع استراتيجي بين الأمم المتحكمة في ناصية التكنولوجيا والطاقة والغذاء.
فالغزو الروسي لاوكرانيا، ادخل كل الانسانية في حالة ذعر، وامتدت تداعياته الى كافة انحاء العالم، حرب في قلب اوروبا، على خلاف ما تعودنا عليه، اذ ان كل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية ، كان مسرحها الشرق الاوسط.
ولعل اكبر ذعر يتمثل في ان ما يجري في “كييف” وبقية المدن الاوكرانية ، ستكون تكلفته ادخال اجزاء هامة من الكرة الارضية في حالة غير مسبوقة من الانهيار الاقتصادي و المجاعة، بسبب الارتفاع الكبير لاسعار النفط والقمح والمواد الاساسية.
وهنا ستكون قارتنا افريقيا، التي ننتمي اليها من اكثر المتضررين، مثلما صرح بذلك منذ ساعات الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي قال انها – يقصد افريقيا – ستكون عرضة للمجاعة.
كما ان اقتصاديات الدول الهشة – ونحن من بينها – ستكون الاكثر عرضة للتضرر وحتى الانهيار، مع تواصل الارتفاع الصاروخي للبترول والقمح، فضلا عن ندرة ستسجلها الادوية وبقية المواد الأساسية ، التي نستوردها بالعملة الصعبة.
وستفرض حالة الحرب، مراجعة في اولويات وتدخلات المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ما سيزيد في مضاعفة محنة الاقتصاديات التي تعول على هذه الجهات المالية الدولية، خاصة الدول التي وضعت كل بيضها في سلة هذه المؤسسات، وهو حال تونس.
مما تقدم يتبين ودون عناء ان مرحلة ما بعد الكورونا وما بعد الحرب – التي لن تضع اوزارها غدا-، ستفرض اعادة تشكيل عالم جديد، بجري في غفلة منا ولا حول ولا قوة لنا به.
فالحرب هي وسيلة لتحريك التاريخ، وما يجري في اوكرانيا مقدمة لنهاية “العالم القديم “، الذي تأسس على نتائج الحرب العالمية الثانية.
ما يعني الذهاب نحو تشكل خارطة جيو بوليتيكية جديدة، سترسم وتظهر للوجود، و ستكون الدول الضعيفة والفقيرة على هامشها.
في الاثناء تتواصل في بلدي غبار المعارك الصغيرة بين السياسيين، معارك مدارها الصراع حول من ” يهرب بقطعية” السلطة.
فكلهم، ولا استثني منهم حزبا او شخصا او جماعة لا يملكون برامج وتصورات، وبذلك تغيب وتتراجع فرص ” الانقاذ الوطني”، ويدفع مصير البلاد نحو سيناريو المجهول، دون ما يفيد بأن القوم مدركون لما يجري.
اما في اوساط الاعلام والنخب، فانه يغيب ايضا ” النقاش العقلاني”، حول التحديات ورهانات المستقبل، ويستمر اقصاء الكفاءات ، لصالح شيوع ” البوز” الفاقد للمعنى.
لنكون بذلك خارج “لعبة الأمم”، وخارج التاريخ.
Comments