نور الدين الطبوبي .. الأكثر تأثيرا سنة 2019
كتب: منذر بالضيافي
حاز نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، على المركز الثاني ضمن الشخصيات التي ستكون أكثر تأثيرا خلال السنة الجارية (2019)، وفق إحصائيات لسيغما كونساي نسرتها اليوم السبت 26 جانفي 2019، و ذلك بنسبة 71% ، أي بفارق نقطة يتيمة عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي حل في المركز الأول بنسبة 72 % من مجموع العينة المستجوبة.
المرتبة التي تحصل عليها الطبوبي ضمن الشخصيات التي يرشح أن تكون الأكثر تأثيرا في تونس خلال السنة الحالية 2019، ليست بالمفاجئة بالنظر الى الدور الكبير الذي لعبه الرجل و الاتحاد في المشهد الوطني، وهو دور مرشح ل “التمدد”، اذ سوف لن يقتصر في المستقبل على الجانب التقليدي أي الاجتماعي والنقابي، بل سوف يتجاوزه الى لعب دور سياسي مباشر، خاصة في ما يتعلق بالمشاركة في المواعيد الانتخابية، وهو ما عبر عنه الأمين العام نورالدين الطبوبي في أكثر من مناسبة، وان كان لم يتحدد بعد طريقة واليات هذه المشاركة، فان مبدأ أو خيار المشاركة أصبح من تحصيل الحاصل، وهنا لا يستبعد أن تشهد الفترة القادمة ميلاد “تحالف اجتماعي”، يتكون من المنظمات الوطنية، سيكون عنوان للمشاركة في الاستحقاقات القادمة.
تعتبر السنة الحالية “فارقة”، في مسار الانتقال الديمقراطي، الذي يدخل سنته الثامنة، وسط تزايد المخاوف من حصول ردة، في ظل وضع يوصف من قبل كل المراقبين في الداخل والخارج، بكونه “هش” و “غير مستقر”، وذلك بالنظر لحدة الأزمة الاقتصادية التي رمت بظلالها خاصة على الحالة الاجتماعية، التي تعيش حراك احتجاجي عمالي وشعبي، جعل المنظمة النقابية تتصدر المشهد العام.
لتتحول الى طرف رئيسي وعنصر “توازن” في مشهد حزبي مختل وغير متوازن، الأمر الذي أعاد الجدل وبقوة، حول “الخلفيات” السياسي للتحركات النقابية، لعل أخرها الدعوة في 17 جانفي الفارط، الى اضراب في قطاعي الوظيفة العمومية وفي القطاع العام، اضراب مثل “بروفة” أو استعراض لقوة الاتحاد، ورسالة الى أنه بصدد التهيؤ الى مرحلة جديدة، وهذا غير خاف أو يمارسه الاتحاد في “السرية”، بل أنه كان محور كبير لشعارات كل تحركات المنظمة النقابية، ولعل هذا ما يجعل التأكيد على أن نورالدين الطبوبي الذي يقود الاتحاد، سيكون له دورا مؤثرا جدا في السنة الحالية، مثلما ذهب الى ذلك تقرير مؤسسة “سيغما كونساي” للإحصائيات.
في المستوى السياسي، نؤكد على أن النقابيين قد حسموا أمرهم، بما يعني أنهم سيكونون طرفا محددا في انتخابات 2019، بل أن عمليات سبر للرأي (غير منشورة ومنسوبة الى جهات أجنبية)، أشارت بوضوح الى ذلك، وهو أمر قد يكون خاف عن الكثيرين من الفاعليين السياسيين التقليديين، وربما سيحدث “مفاجأة” كبيرة في المواعيد الانتخابية المقررة نهاية 2019.
بالمناسبة، وفي معرض الحديث عن الانتخابات، فان هناك “تخوفات” جديدة من صعوبات ومحاذير تواجهها الاستحقاقات القادمة، تتعلق بالخصوص بوضع الهيئة المستقلة التي ستشرف عليها، وبالعجز عن اتمام المؤسسات الدستورية الضرورية ولعل أهمها المحكمة الدستورية، هذا فضلا عن وجود ما يشبه حالة “التوقف” في الانتقال السياسي، الذي عرف تقدما تمثل بالخصوص في تأمين انتقال سياسي سلس في السلطة، عبر احترام للمواعيد والاستحقاقات الانتخابية.
لكنه، انتقال يمر بفترة ارباك عشية ترقب تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، نهاية السنة الجارية، التي تسبقها أزمة سياسية مربكة تدخل شهرها الثامن، تحولت الى “أزمة حكم” خاصة بعد دخول البلاد في “حرب الصلاحيات” بين رأسي السلطة التنفيذية، وهو ما أثر سلبا على المجتمع وأساسا على مؤسسات الدولة. وضع يراقبه الاتحاد العام التونسي للشغل، في الظاهر عن بعد ودون تدخل مباشر، لكن ممارساته في الواقع وكذلك خطابات أمينه العام، تشير الى أنه يدخل في مجال ومشاغل اهتمامات المركزية النقابية.
بالعودة الى نقاط القوة التي هي بحوزته نورالدين الطبوبي، والتي جعلته وستجعله أكثر تأثيرا ، نشير الى أنه بين منذ وصوله الى الموقع الأول في ساحة محمد علي، أنه حريص على أن يكون حارسا لبعدين أساسيين:
يتمثل البعد الأول، في مزيد تثبيت الدور الوطني، الذي لعبته المنظمة منذ تأسيسها، بوصفها شريكا في بناء الدولة الوطنية، وهنا نذكر بأن الاتحاد لعب دورا حاسما في حماية مسار الانتقال الديمقراطي، عبر ادارة حوار وطني ( 2013) في مرحلة لافتة جعله يحصد نوبل للسلام، حيث كان له الفضل في ادارة الخلافات ثم التعايش بين الفرقاء السياسيين، وبالتالي تمكن من تجنيب البلاد الانزلاق نحو أهوال التناحر والحرب الأهلية، التي انقادت اليها دول “الربيع العربي” الأخرى مثل سوريا وليبيا. كما أنه كان شريكا في تشكيل ودعم ميلاد حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة الشاهد في أوت 2016، الذي ما زال مستمرا في موقعه، حتى و ان تحولت “الوحدة الوطنية” الى “ائتلاف وطني”، بما يعني أن وجوده بل جانب من “شرعيته” ب “مباركة” من الاتحاد، في انتظار حصوله على تجديد “الشرعية” عبر الانتخاب.
أما البعد الثاني، الذي وضعه الطبوبي أمام أعينه “وعاهد نفسه بأن لا يحيد عنه” وفق ما صرح لنا به في أحد اللقاءات التي جمعتني به، فهو المحافظة على الدور الاجتماعي للمنظمة في إطار الاستقلالية والحياد، من خلال الدفاع عن الطبقة الشغيلة، عبر آلية الحوار والتفاوض ومراعاة المصلحة الوطنية، وهنا نذكر بأن للمنظمة الشغيلة تقاليد في إدارة المفاوضات بصفة دورية مع القطاعين العام والخاص.
منهجية سمحت بإقرار زيادات في الأجور، ساهمت في المحافظة على القدرة الشرائية لفئات وشرائح واسعة من التونسيين، وحمت الطبقة الوسطى من التفكك، وبالتالي مثلت أفضل ضمان لتثبيت الاستقرار الاجتماعي، الذي هو عماد النظام الديمقراطي.
Comments