هشام الحاجي يكتب عن: انتخابات البرلمان الأوروبي ومخاطر تمدد اليمين !
هشام الحاجي
مع توقع انزلاق انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة أكثر نحو اليمين، بدأت تعيش القارة العجوز على وقع عديد الأحداث المهمة، التي ستكون لها تداعياتها لسنوات او ربما لعقود. و هنا يبدو – من خلال كل التقارير الصحفية والأكاديمية- أن انتخابات البرلمان الأوروبي ستكون أفضل مناسبة للكشف عن التحولات السياسية و المجتمعية، التي تعتمل صلب الفضاء الأوروبي و التي سيكون لها تأثيرها في المستقبل.
و قبل الإشارة إلى بعض هذه التحولات، من الضروري التنبيه إلى أمرين في علاقة بالبناء الأوروبي. يتمثل الأمر الأول في ان الفضاء الأوروبي ليس فضاءا متجانسا بل تشقه تناقضات اجتماعية حادة، و أخرى بين أهم الدول التي تكونه و هو ما يحوله أحيانا إلى ” عبء ” على الدول التي تكونه، و يجعله محل رفض متزايد في مستوى الرأي العام ضمن الدول التي يتشكل منها.
تكفي الإشارة هنا إلى أن عددا من قيادته قد نجح انتخابيا في الانتخابات الوطنية من خلال رفع شعار الانسحاب من الفضاء الأوروبي، و قد كانت رئيسة الحكومة الإيطالية سيلفيا ميلوني آخر من لعب ورقة الانسحاب من هذا الفضاء في الانتخابات البرلمانية الإيطالية الأخيرة و التي فازت بها.
و أما الأمر الثاني فيتمثل في تراجع مصداقية البرلمان الأوروبي في السنوات الأخيرة، بعد أن تأكدت محدودية تأثيره و خاصة بعد أن هزت صورته بعض ” الفضائح “، التي كان الاختراق الذي قامت به بعض الدول للتأثير على القرار الأوروبي، وهنا الأمثلة كثيرة وهي معلومة داخل وخارج الفضاء المؤسساتي الأوروبي.
وبهذا أصبح البرلمان الأوروبي مجرد مؤسسة لممارسة التشبيك و التأثير السياسي، الذي يخضع لأصحاب النفوذ و المصالح و المال، عوض أن يعكس رغبة الشعوب الأوروبية في بناء مشروع موحد ينطلق من ” القيم الأوروبية ” ، و يعيد لأوروبا دورا متقدما في مستوى العلاقات الدولية، و خاصة في ما يتعلق بالتمسك بقيم التنوير و القيم الكونية.
أعطى انهيار جدار برلين دفعا قويا للمشروع الأوروبي، و زخما للحلم الأوروبي خاصة و أنه كان ، من خلال إعادة توحيد ألمانيا،” انتصارا رمزيا مزدوجا ” على الإتحاد السوفياتي، و الولايات المتحدة الأمريكية التي مارست منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصاية سياسية على القارة العجوز.
أنهى توحيد ألمانيا الحرب الباردة التي كانت أوروبا، التي انقسمت إلى ” معسكرين” أهم ساحاتها، و لكنه فتح الباب أمام حروب حقيقية و ” ساخنة جدا” ، دارت في دول أوروبية و مزقتها و لكنها أعادت خاصة احياء المخاوف و الهواجس الأوروبية من الحرب التي ساد الوعي الأوروبي أنه وقع التخلص منها و أنها أصبحت من الماضي .
و ما دمنا نتحدث عن الهواجس و التهويمات و المخاوف التي تسكن ” اللاوعي الجمعي الأوروبي ” من المفيد ان نفتح قوسا لنذكر بتواصل تأثير نظرة استعلاء و تخوف من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشكلت من مهاجرين أوروبيين عدد كبير منهم من الهامشيين و ” المنفيين” و لم يتخلص من ” رهاب لاواع” من روسيا التي يعتبرها جزءا من الشرق .
و قد عاد هذا الرهاب للبروز مؤخرا نتيجة للحرب الروسية- الأوكرانية، و هو ما يبرز في الخطاب السياسي و الإعلامي المعارض لفلاديمير بوتين. و حين نضيف إلى ذلك تواصل ” المخاوف المتبادلة ” بين أهم الدول التي تمثل أعمدة البناء الأوروبي و تواتر الحديث عن نهاية ” مجتمع الرفاه ” و ضرورة التأقلم مع ” مجتمع التقشف ” و أيضا التهرم الديمغرافي و الهجرة السرية ندرك عمق الأزمة التي تعصف بالبناء الأوروبي و ندرك أن نزعة الانكفاء على الذات و الانغلاق هي التي ستكون لها اليد العليا في انتخابات البرلمان الأوروبي.القادم.
و يتغذى هذا التوقع أيضا من التحولات الهيكلية التي لحقت الحقل السياسي و كذلك من ” ادوات الوعي ” السائدة. في مستوى الحقل السياسي، أصبحت الممارسة السياسية أسيرة آليات التلاعب و التوجيه الاتصالي، و هو ما أفقرها في مستوى تقديم التصورات و خاصة في مستوى انتاج ” قيادات رأي ” القدرة و الفاعلية على إحداث التغيير، و مما عمق هذا العجز الهيكلي تراجع دور الأحزاب إلى أبعد الحدود .
وهناك تحول هيكلي اعمق و يتمثل في أن انتاج التقنيات ، حتى في العلوم الإنسانية، قد تغلب على الجانب النقدي، و هو ما أفقد الجامعات القدرة على تحريك الوعي، و على التأثير و لو لفترة محدودة من الزمن كما كان الحال في ماي 1968.
أصبح الإنسان مرتهنا للشاشات في التلفزة و الحاسوب و اجهزة الهاتف ، و هذا الارتهان أثر سلبيا على ذكائه و على قدرته على التمحيص و خاصة على الفعل، و جعله يقنع بشعارات فيها مغالاة، و لكنها تعيد إنتاج الواقع، و تضع مصيره في أيادي شخصيات مرتهنة بدورها لدوائر المال و الاتصال.
Comments