هشام الحاجي يكتب عن: “بداية التاريخ ” و ” نهاية السياسة”
هشام الحاجي
يبقى 14 جانفي 2011 حدثا ” تأسيسيا” بالمعنى السوسيولوجي للكلمة بما أنه يشكل مشروع قطيعة بين مرحلتين مع ما يمثله ذلك من إعادة قراءة للقديم و ” ابتكار ” مفاهيم لقراءة الحاضر و استشراف المستقبل.
و لا شك أن الحقل السياسي هو من أهم المجالات التي تركز حولها الإهتمام و هو أمر ” مفهوم ” ما دام 14 جانفي 2011 هو حدث سياسي بامتياز. و قد برز في سياق “تثمين ” الحدث خطاب يعتبر أن رحيل النظام السابق سيفتح الباب أمام ” تشكل جديد للحقل السياسي ” لأن ما سبق لم يكن إلا ” تصحرا للحياة السياسية ” و بالتالي ” قتلا منهجيا للسياسة “.
و بقدر ما أعطت الأشهر الأولى التي تلت 14 جانفي 2011 الانطباع بأن المجتمع التونسي يعيش ” بداية التاريخ ” و ” انبثاق السياسي ” بقدر ما أخذ بريق هذا الانطباع يخفت تدريجيا إلى أن تحول الأمر مع الأزمة السياسية المركبة التي تعيشها بلادنا في الأشهر الأخيرة إلى تنامي اليقين أننا نعيش مرحلة موت السياسي و تلاشي الحقل السياسي.
كانت نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة أهم مؤشر على ذلك إذ خاض الدور الثاني مرشحان لا يملكان ماضيا سياسيا و هو ما يمثل في العمق رغبة مما بقي من ” الجسم الإنتخابي ” في القطع مع النخبة السياسية ” القديمة” التي لم تحسن منذ أن ” تحررت من قيود النظام السابق ” إلا تغذية الحنين للماضي أو التغني بسجلها و ” متاعبها ” في النضال ضد ” الاستبداد” و تناست واجب خدمة العباد.
و من مظاهر ” موت السياسة ” تقلص الإهتمام العمومي بالحياة السياسية و فقر الحوار العمومي إذ غاب طرح القضايا و الإشكاليات التي تهم المواطنين و طغت الخلافات الهامشية و تحولت ” التسريبات ” و الأساليب المستهجنة أخلاقيا إلى أسلوب للتفاعل بين الخصوم السياسيين.
و تراجعت الثقة في مصداقية وسائل الإعلام في ظل ما يتأكد من دور الأحزاب السياسية و دوائر المال و النفوذ في توجيه المشهد الإعلامي إذ تحول الحقل الإعلامي إلى ” مجرة مغلقة ” تبتعد يوما بعد يوم عن واقع الناس و يعاد من خلالها تقديم نفس الوجوه و تكريس نفس الرؤى و التصورات هذا دون أن ننسى تسرب الثقة في نزاهة الانتخابات و الشكوك المزمنة من عمليات سبر الآراء.
و من أبرز الإشارات على ” موت السياسة ” الهوان الذي أصاب كل الأحزاب السياسية و حالات الانقسام التي عانت منها جميعا و هو دليل ضعف الالتقاء على ما فيه خدمة المجتمع و على أن ” الفاعلين السياسيين ” لم يبلغوا بعد في مجملهم مرحلة ” عقل المدينة ” الأساسية لتشكل الحقل السياسي و أن ” التمحور حول الذات هو الذي يحرك أغلبهم مع ما يعنيه ذلك من عجز عن ” إنجاز التوافقات” و تجاوز ” المآزق الهيكلية ” .
كما يتجلى ذلك في حالة الشلل التي أصابت الدولة حاليا نتيجة خلاف سياسي تحول إلى صراع شخصي بين ” رؤساء ” تأكد أنهم من أسباب ” الموت السريري للسياسة ” في تونس الجديدة.
Comments