هشام الحاجي يكتب عن: ترامب “من ” السلام الإبراهيمي ” إلى ” أمريكا أولا ” : سياسات القوة المحض”
هشام الحاجي
تتعدد الزوايا التي يمكن من خلالها محاولة قراءة دلالات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ذلك أن الأمر يتعلق بحدث سيترك تأثيرات كبرى على الإنسانية جمعاء، لأن الولايات المتحدة الأمريكية، تبقى الدولة الأكثر تدخلا في رسم ملامح العلاقات الدولية ، بل انھا تعتقد أن ذلك حق حصري تنفرد به لوحدها، و لا تسمح لغيرھا من الدول بأن يشاركھا فيه.
و لأن إعادة ” ترتيب” العالم ھو من بين أھم نقاط ما يعتزم دونالد ترامب القيام به في عھدته الجديدة و الثانية . و لا شك أن ما يدعو لمحاولة قراءة ملامح سياسات دونالد ترامب ھو غلبة المواقف الانطباعية عند التفاعل مع فوزه الكبير برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ھناك مراوحة بين الاحتفاء المبالغ فيه، أو التعبير عن مخاوف لا يمكن للواقع أن يؤكدھا أحد أو يجزم بها أنها ستقع. و في تقديري فإن ما يبدو ضروريا الإشارة إليه ھو السياق “الأمريكي ” البحت الذي جرت في الانتخابات الرئاسية الامريكية الأخيرة، سواء في علاقة بالسياق المجتمعي الشامل، أو في علاقة بمستوى ” اللاعبين السياسيين “.
في السياق المجتمعي، ھناك مفارقة ما انفكت مفرداتھا تتعمق في المجتمع الأمريكي، بين تأكد التفوق الأمريكي في المستوى العالمي تقنيا و اقتصاديا، و بين اتساع الفجوات داخل المجتمع الأمريكي، بين الطبقات و الأعراق و خاصة بين مؤسسات فرض الأمر الواقع و ” الدولة العميقة ” ، و فئات واسعة من المجتمع الأمريكي، و من المھم هنا التنصيص خاصة على الشباب الطلابي ، وهنا نجد ونلمس محاولات لبروز أمريكا أخرى لا تملك حاليا امكانيات الظھور و البروز .
ويبدو ” الفاعلون السياسيون “، في ما يشب القطيعة مع ھذه المحاولات، حتى و إن كانوا مجبرين على أن يضمنوا في خطابھم السياسي ما يشير إلى أنھم ” ينصتون ” للمجتمع و تطلعاته.
ويبدو ان دونالد ترامب، كان أكثر قدرة من الثنائي بايدن/ھاريس في ملامسة بعض ھذه ” التطلعات” و تحويلھا إلى شعار فضفاض و جذاب، و ھو ” أمريكا أولا ” . ھذا الشعار ھو وعد بتغليب المصلحة الأمريكية، و بالعمل على إعادة ترتيب البيت الأمريكي. و ھنا يتبادر إلى الذھن سؤالان: ما الذي سيقدمه ترامب للمجتمع الأمريكي؟ و ما علاقة ذلك بسياسات واشنطن في العالم ؟.
قبل محاولة الإجابة عن كيفية تعاطي ترامب مع المجتمع الأمريكي، من المھم الإشارة إلى ان الحملة الانتخابية الأمريكية، قد جرت وسط مخاوف ، قد تكون بعض الأطراف ضخمتھا ، من حرب أهلية و من تفكك الدولة الفيدرالية، ھذا دون أن ننسى ان ترامب، قد ھدد بالتمرد في صورة عدم فوزه في الانتخابات الرئاسية.
مؤشران يدلان على وجود أزمة عميقة تضرب مؤسسات نظام ، يعتبره البعض الأكثر ديمقراطية في العالم ، و لا يبدو ترامب الشخصية المثلى للحد من أزمة ھذا النظام .ذلك أن شخصيته لا تعكس إلا الجانب النزق و المنفلت في الشخصية الامريكية.
و تكفي العودة إلى حجم الشتائم التي وزعھا خلال حملته الانتخابية، و إلى العبارات النابية التي استعملھا للتأكد من ذلك .
ما يراه ترامب حلولا ، كزيادة الضرائب على البضائع الصينية، و التصدي بقوة للھجرة السرية، و تقليص الانفاق على المؤسسات الفيدرالية، قد تعطي نتائج عكسية و تزيد في حدة الأزمة المجتمعية الأمريكية، حتى و إن كان سيدعم التفوق التقني و العلمي الأمريكي.
في مستوى إدارة العلاقات الدولية، يبدو ترامب أبعد شخصية في ما يتعلق بالقدرة على تخليص العالم من أزماته ، بل يبدو أن سيزيد هذا العالم أزمات أخرى. فموقفه من الحلف الأطلسي ستخلق فتورا بين ضفتي الحضارة الأورو-اطلسية من ناحية، و سيزيد في الصراعات ” القومية “، و نزعات الزعامة داخل البناء الأوروبي الھش .
لا يوجد ما يشير إلى امكانية نجاح ترامب، في إعادة ايران إلى محادثات حول سياساتھا النووية، خاصة و ان طھران قد استقبلت انتخاب ترامب بتحذيره، من خطورة اعتماد سياسات ” الضغوط القصوى” ، و دعته الى أن ” لا يعيد تجربة فاشلة ” في اشارة الى انسحاب طھران من الاتفاق النووي سنة 2015.
يدعي ترامب أنه سينھي الصراع في الشرق الأوسط، و لكن استحضار مؤشرين فقط يكفي لتكذيب ھذا الادعاء. المؤشر الأول يتمثل في أن أبرز اركان إدارته و خاصة منھم أولئك الذين سيديرون عن قرب ملف الصراع الفلسطيني/ الصھيوني لا يخفون انحيازھم اللامشروط لتل أبيب و لكل ما تقوم به.
أما المؤشر الثاني، فھو دعم ترامب و زمرته لنوايا الكيان الصهيوني، في ضم الضفة الغربية، و ھو ما يعني اعتداء على الحقوق الفلسطينية من ناحية، و سببا من اسباب استمرار الصراع، علاوة على أنه تراجع على ما قدمه ترامب ذاته سنة 2020 في إطار ما أسماه ” مشروع السلام الإبراهيمي ” . و الذي يتضمن منح 28 بالمائة من الضفة الغربية، و قطاع غزة للشعب الفلسطيني. ترامب عنوان مرحلة عنوانھا الھروب إلى الأمام داخل الولايات المتحدة الأمريكية و خارجھا.
زمن ترامب، يتوقع أن يتزايد فيه الانفاق على التسلح، و اتساع رقعة التوتر، و عدم الاستقرار و الحروب .
ھشام الحاجي
Comments