هشام الحاجي يكتب عن : محرقة غزة .. فصل جديد من حروب ” اللقاطة ” ضد ” العراقة”
هشام الحاجي
ليس من اليسير الكتابة عن معارك لم تتوقف بعد، فما بالك حين يتعلق الأمر بما يعيش على وقعه قطاع غزة منذ مائة يوم، من تجلي للهمجية الصهيونية في أبشع مظاهرها.
ولكن بقدر ما يبدو مهما و ضروريا تجنب القراءة الانتصارية أو الوقوع في شراك القراءة الانهزامية، فإنه من الضروري الانطلاق من استعادة ” بديهيتان” ترتبطان بالحروب . اذ أنه غالبا ما تؤدي الحروب إلى نتائج، تختلف عن تلك التي أرادت فرضها و تكريسها، و ليس من أطلق شرارة الحرب هو القادر على إعلان نهايتها.
هذا دون أن ننسى أن الحروب تلعب دورا في تحريك مسار التاريخ و في التغير الاجتماعي، لأنها تعبير عن مصالح و رؤى و قوى سياسية و اقتصادية. و بالعودة إلى منعرج 7 اكتوبر 2023 فإن بعض الملاحظات تفرض نفسها.
لن ننخرط في قراءة خفايا إقدام حركة حماس على المبادرة عسكريا، لأن بعض الخفايا لن يقع الكشف عنها في القريب العاجل، و ستبقى لعقود محل مزايدات و ربما عمليات ” تلاعب بالعقول” ، ولكن في المقابل هناك وقائع واضحة تحيل إلى الملاحظات التالية:
1/
لأول مرة منذ ” النكبة” ( 1948 )، تكون المبادرة في إعلان الحرب للشعب الفلسطيني، ممثلا في تحالف واسع لأبرز حركاته السياسية الناشطة في قطاع غزة. فكل الحروب السابقة التي خاضها الفلسطينيون ضد المشروع الصهيوني، كانت رد فعل على ” مبادرات عدوانية صهيونية” .
و يمكن استثناء الانتفاضة الأولى و الثانية من هذا الاستنتاج، لأن المبادرة كانت فيهما للشعب الفلسطيني، و لكن ادوات الانتفاضتين كانت بسيطة مقارنة بالأسلحة و الاستراتيجيات التي تبرز في طوفان الأقصى، الذي انطلق في السابع من أكتوبر الفارط.
2/
تأكد ان المشروع الصهيوني، يمثل امتدادا للتوجه الاستعماري كما تجسد في ممارسات الدول الأوروبية الرأسمالية، و ليس الكيان الصهيوني، إلا آخر تجليات هذا التوجه في أبشع صوره، و هو ما يفسر الدعم الأطلسي لحكومة نتانياهو، و أيضا البشاعة غير المسبوقة للممارسات الصهيونية.
و رغم ظهور بعض الأصوات المنددة بالكيان في اوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية فإن الصهيونية متغلغلة، في اهم مفاصل الحياة المادية و الرمزية في المجتمعات الغربية.
3/
ان صمود الشعب الفلسطيني، و تمسكه بأرضه، يمثل نسفا لما روجته آلة الدعاية الصهيونية، حول تخلي الفلسطينيين، في السابق عن أرضهم. هذا الصمود أكد أيضا أنه من المستحيل تبخير الهوية الفلسطينية.
4/
العدوان الصهيوني على غزة ترك ندوبا و شروخا ستبقى فاعلة في المشروع الصهيوني، و أساسا في السردية التي يستند إليها الكيان، و من أبرز هذه الشروخ ان الكيان الصهيوني، ليس ” تجسيدا” للديموقراطية و حقوق الإنسان في ” صحراء ” الاستبداد العربي و أنه ليس بالقوة التي يدعي.
5/
أصبح الكيان الصهيوني عبئا على الدول و الشعوب الأوروبية و الامريكية، و على كل تصورات العيش الإنساني المشترك . و حتى الديانة اليهودية فإن ممارسات الصهيونية تحرجها، لأنه يصعب أن تقبل اي ديانة بإبادة معتنقي ديانات اخرى، بهذا الشكل لأن ذلك يضعها خارج المعلوم من الإنسانية بالضرورة.
6/
أبرز طوفان الأقصى، حالة الانهيار القيمي التي يعيشها النظام الرسمي العربي و أيضا النظام السياسي العالمي و الغربي. فقد غاب الحد الأدنى من ” التضامن العربي”، و اتضح أن الشرعية الدولية و حقوق الإنسان، ليست الا شعارات جوفاء توظف في إطار الكيل بمكيالين.
أخيرا، لقد طوفان الأقصى رصاصة الرحمة على مسار أوسلو، و وجه ضربة موجعة و ربما حاسمة لكل الترتيبات التي حكمت العلاقات الدولية، بعد الحرب العالمية الثانية، و هو ما يعني أنه قد يكون خطوة أخرى، في اتجاه التسريع بنسق التحولات الدولية التي بدأت منذ فترة.
Comments