هل أجرمت الصين في حقّ البشرية؟
شعبان العبيدي
يجري خلف الخطاب السياسي الرسميّ على المستوى الدّولي سؤال أو اتّهام لعلّه سيتطوّر مع مرور الأيّام، خاصّة مع انحسار ضربات الفيروس الوبائي التّاجي” كوفيد 19 ” ومفاده: هل أجرمت الصّين في حقّ البشرية؟
ففي عالم يتزلزل اليوم زلزلة كبرى بشريا ومادّيا و نفسيّا لما سيخلّفه من آثار خطيرة وندبات لا تشفى من الهول، ليس بفعل الحرب الّتي تعايش معها الإنسان، وليس تحت وقع المضاربة الماليّة والجشع فقط تساكن المحرومون عبر القارات مع الحاجة و الفقر والاستغلال في ظلّ عولمة متوحشّة فاغرة فاها في سبيل التّضحيّة بالإنسان وبالإنسانيّ من أجل الرّبح و الهيمنة و تنميّة الثروات حتّى من خلال بيع الأوبئة أو استنباتها، بل هو يهتزّ ذعرا وفرقا تحت وقع ضربات سريّة لوباء كورونا القاتل، الّذي حوّل وجه العولمة المغريّة بمحاسنها و إغراءاتها إلى وجه قبيح قاتم مسكون وراء قناع الرّفاه وسعادة الوهم والصورة بسمّ زعاف ،
حتّى تحوّل هذا الوباء اليوم والآن إلى موضوع السّاعة، وحديث وسائل الإعلام وخلف الأبواب المغلقة لجيوش من البشرية المسجونة بقرار فيروس يحمل تاج إمبراطوريّا منيعا. وباء مخيف مدمّر بالنّظر إلى عدد ضحاياه، ومآسيه الّتي باتت تطحن قلوبنا عبر مشاهد فيالق عربات الجيش في إيطاليا وإسبانيا وهي تحمل جثث الموتى، أو من خلال توابيتهم المرصّفة في الكنائس.
وباء أظهر ضعف الإنسان المتأله المتحصّن بالعلم وإله التقنية الرقميّة والإنسان الرّوبوطي. وما أقامته الدّول العظمى من أسوار وبروج للحماية. لكنها هوت كلّها على عروشها متداعية الواحدة تلو الأخرى أمام مخلوق مجهريّ دبّ إلى كلّ بلد وبيت كأنّه يختبر حضارة الإنسان عبر امتحان الموت.
ليكشف لنا أنّه خلف هذا العالم المعلوم المؤمن بقدراته وفرادته، عالم من الضّعف والهون في مؤسّساته الموجّهة نحو الاهتمام بصحّة الإنسان وحياته وحمايته، وحتّى العلم فيه وقع تحويل وجهته ليكون خادما مع التقنية لاقتصاد الهيمنة والرّبح والسيطرة لا غير، وهو ما يورده “ريتشارد لونيتون” في استعارة جدّ معبّرة وساخرة سخريّة مرّة حين يقول بأنّه قد انتهت أسطورة العلم المحايد وحلّت محلّها عملية تحويل العلم إلى حمار للرّأسمالية والتّقنية جحشا لأيديولوجيتها.
ولكن مع ذلك يبقى المال هو الوسيلة الوحيدة في كسب هذه المعركة، أمّا الشّعوب الفقيرة التّابعة فلا حلّ لها في هذا الحال إلاّ انتظار رحمة الصّدقات أو الاستجداء، بعد أن كشفت هذه الجائحة غلبة الذّاتية والأنانية بين الشّعوب. فهل هي نهاية الإنسان مع أكبر هجومين هجوم النيوليبرالية
هذا الوضع الّذي اخترت له هذا التّوصيف، نتيجة ما قرأته وما شاهدته من صرخات الاستغاثة من جيراننا في إسبانيا وإيطاليا، وما كتبه أدباؤهم من رسائل معبّرة عن شدّة الألم، لا يخفي ما يحمله كلّ واحد منّا ومنهم من أسئلة عن حقيقة هذا الوباء، وكيف جاء ونشأ وكيف انتشر؟ وهل هو وباء طبيعيّ أم هو غير ذلك؟ ورغم الاتّهامات المتبادلة بين واشنطن وبيكين، أخيرا التّي جاءت ردّا على التّصريحات العنصرية السّاخرة للرئيس الأمريكي في نسبته للفيروس التّاجي إلى أمّة الصّين، وإن كان في الواقع ليس النّعت الوحيد بل صدرت كذلك نعوتا سابقة من مواطني العالم تتهجّم على الصّينيين وتحمّلهم سبب هذا الوباء وبالتالي سبب موتاهم نتيجة لطريقة عيشهم وعاداتهم، فقد انتشرت كذلك هذه النّعوت في بلدان آسيا مثل كوريا الجنوبيّة واليابان في إطلاق تسميّة ” فيروس ووهان” على هذا الوباء.
ورغم أنّ غالبية المواقف لسياسيين وفلاسفة ذهبت إلى تأثيم الولايات المتّحدة ورئيسها واللّوبي الاقتصادي الّذي يمثّله، فإنّ اتّهام جمهوريّة الصّين وتأثيمها وتحميلها مسؤولية ما يعانيه العالم، وما سقط من ضحايا أبرياء في أبشع صور للموت هو نتاج دولة ديكتاتورية، عملت على التّكتّم عن الوباء، و محاولة إخفائه محافظة على صورتها واقتصادها.
وفي هذا السيّاق كتب الصّحافيّ “جون بتريك قرنبارق” مقالا مطوّلا على موقع ” دروز-أنفو” مقالا بعنوان: “هل أجرمت الصّين حقّا في حقّ الإنسانية؟” وصدر في 19 من مارس 2020 ، وهو صحافي منذ السّبعينات ثمّ أصبح صاحب مؤسّسة ضغط أو لوبيّ أمريكي-إسرائيلي.
وذهب في مقاله هذا إلى اتّهام حكومة الصّين الشّعبية بعدم الشفافيّة، وخاصّة حين أوقفت ثلاثة صحافيين تابعين لأكبر وسائل الإعلام الأمريكية عن العمل ورحّلتهم، معتبرة ما قاموا به من نقل أخبار بدايات انتشار الفيروس تشهيرا بالدّولة، وفرضت تبعا لذلك رقابة صارمة على وسائل الإعلام. وكان الجرم الأوّل لهذا النّظام الكلياني إخفاءه الحقيقة عن العالم، وبسبب هذه الإجراءات سمّموا العالم وبيّنوا ازدرائهم للبشريّة. وأرجع هذه السّلوكات إلى طبيعة الأيديولوجيا الكليانية المجرمة لهذا النّظام القائمة على الكذب والتّرويع.
ثمّ تتبّع كيفية تعامل النّظام الصّينيّ مع هذا الفيروس منذ بدايات ظهوره في مدينة” وهان ” بكلّ تفصيل ابتداء من اليوم الأوّل في 26 جانفي لمّا أصدر الطبيب الصّيني صرخة تحذير عبر الأنترنت سجن لأنّه حاول تحذير العالم ممّا حاولت السلط الصينيّة إخفاءه. ووجّه الصّحافي المذكور رسالته لكلّ الذين يدافعون عن النّظام الشيوعيّ في اللّحظة التي يقتل فيها النّاس حسب عبارته، محاججا إيّاهم بأنّ هؤلاء سيقفون إجلالا له لو طالب الرئيس الفرنسي بدفع تعويضات عن القتلى وعن الضّرر النّاتج عن سوء التّعامل مع هذا الوباء لو كان هو مكان الرئيس الصيني؟ أليس على الصّين أن تعوّض هؤلاء لأنّهم قتلاها وضحايا سياستها؟ وشكّك في سعيه إلى مساعدة إيطاليا وإظهار نفسه في مظهر النّبل.
ولذلك يصرّ على أنّ النّظام الشيوعيّ نظام مجرم قتل عبر تاريخه قرابة 100 مليون من الضحايا ولم يقدّم زعماؤه اعتذارا. وهو اليوم مسؤول عن ضحايا بالآلاف في أوروبا وانهيار اقتصادي وتوقّف شامل للحياة.
وبما أنّ النظام الصيني نظام ديكتاتوري فقد كذب على شعبه منذ ابتدأ الوباء في 17 نوفمبر 2019 مع حالة معلنة، ثم 60 حالات في 20 ديسمبر وفي نهايته 266 حالة واكتشاف الوباء تحت تسميته هذه وذلك بعد أن اختّلت الموازين وانفرط العقد. وبعد أن تمّت إدانة الطبيب المرحوم “لي” واقتياده إلى مركز الشرطة بعد تصريحاته التي اعتبرتها السلط مخلّة بالنّظام ومهدّدة للاستقرار السيّاسيّ.
ولم يتمّ إغلاق سوق مدينة “ووهان” إلاّ في 1 جانفي 2020 وإعلان انتشار العدوى بين سكّان المدينة في 4 جانفي خاصّة بعد حضور أكثر من 40000 ألف عائلة إلى هذه المدينة للاحتفال بالعام الجديد. وحينها أعلنت منظّمة الصحّة العالمية أنّها تراقب ما يجري على الأرض ودعّمت نظام مراقبتها وكيفية التّعامل مع الفيروس. ولعلّ النّاس كانوا منبهرين بإعلان النّظام الشيوعي بناءه لمستشفيين في ظرف أسبوع، متغافلين عن جريمته النّكراء في إخفاء حقيقة الفيروس كما فعلت سابقا في 2003 مع فيروس سارس الذي حاصرته وتكتّمت عليه قبل أن ينتشر. وهو ما حملته شهادة صحافيين صينيين. ثم يختم الكاتب مقاله بنداء موجّه إلى كلّ شخص حرّ أن يقف ويندّد بهذه الجريمة، وزعماء الصّين الّذين اختفوا عن أعين العالم لحماية سمعة إمبراطوريتهم .
ورغم ما في خطاب الكاتب من عداء إيديولوجي واضح للدّولة الشيوعية الصّاعدة، فإنّ طريقة تتبّعه لمراحل ولادة الفيروس و ما حفّ به تجعل الصّين مورّطة في هذا الجرم بما عمدت له من سياسات خاطئة وعدم مطالبتها منذ البداية بإيقاف الرّحلات والتنقّل بينها وبين العالم و عدم مشاركتها للعالم في حلول كان يمكن أن توقف الفيروس في نطاق جغرافي محدّد، فيصيب عضوا يمكن أن تتكاتف الجهود لشفائه لا أن يمسّ كامل الجسد فيكون هلاك البشرية، و من المواقف الطريفة الّتي تؤكّد حضور موقف الاتّهام للصّين في الرّأي العالمي تصريح لأحد البرلمانيين الكينيين وهو يراقب هذا الدّمار البشري للفيروس القاتل الّتي يمكنها أن تتجاوز مخلّفات الحرب العالمية الثانية بقوله ” بما أنّ الفيروس جاء من الصّين عليها أن تلغي ديون كينيا” كما أعلن رئيس رابطة الشمال المتطرف بإيطاليا قائلا” إذا كانت الصّين لم تحم ولم تعلن عن هذا الفيروس وتكتّمت عليه فإنّها تكون قد قامت بجريمة إنسانية.
خلاصة القول أنّ هذه القراءات والمواقف إعلانا مؤجّلا لحرب كلامية وسيّاسية، ربّما ستتطوّر إلى قضية دوليّة تنظر فيها المحاكم و تشنّها منظّمات و أحزاب و عائلات متضرّرة حتّى توقف تلاعب الاقتصاديات العالمية و أصحابها المتحالفين مع الدّول والسّاسة تهديم حياة البشرية.
Comments