هل اختارت النهضة تحريك "جناحها الدعوي" في المعركة السياسية؟
كتب اليوم، في جريدة “الصحافة اليوم”، عدد 8 جانفي 2018، الزميل الاعلامي مراد علالة، مقال تحليلي رصد فيه ما أسما ب “اعلان النفير” من قبل بعض “المشايخ”، الذين قال عنهم صاحب المقال أنهم “يتّخذون عن مشروع قانون المساواة في الميراث ذريعة”، لهذا “التحرك” الذي هو صميم الحراك السياسي الذي تعرفه تونس، ما يجعل منه “تحركا غير برئ” وله “اجندات سياسية” بل أنه هناك من يرى أنه اعلان من حركة “النهضة” عن تحريك لجناحها “الدعوي” استباقا لمعارك سياسية قادمة. ودعا علالة ” القوى التقدمية في المعارضة وقوى المجتمع المدني مطالبة بتجاوز هذا الخمول والمضي قدما في الدفاع عن ركن من أركان رسالتهم ودورهم الاجتماعي والسياسي والتاريخي دون حسابات خصوصا وأنهم كانوا سباقين في الانتصار للمساواة الحقيقية على مر العقود”.
نص المقال:
أصبح الابحار ضد التيار وتهميش الأولويات العملة الرائجة في بلادنا علاوة على الانقلاب على المبادئ والمواقف، وفي الوقت الذي تحتد فيه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ويطلق فيه الجميع صفارات الانذار بأن شتاء ساخنا يهدّد تونس وقد يعصف بما تبقى فيها من مكاسب قيمية ومؤسساتية لم يجد عدد من «المشايخ» من المعارك الحياتية سوى المبادرة التشريعية النائمة بطبيعتها في رفوف مجلس نواب الشعب حول المساواة في الارث.
والحديث عن «المشايخ» يكتسي في تقديرنا أهمية بالغة لثلاثة أسباب على الأقل تصب جميعها في خانة كشف ما يضمره هؤلاء للبلاد والعباد كما يقال.
أول هذه الأسباب، انتفاء الصفة، فلا الأئمة المنضوون تحت لواء جمعية الائمة من أجل الاعتدال ونبذ العنف والتطرف، أو ما يسمى التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة ولا غيرها من الكيانات الدينية وكذلك الافراد الذين لا يزالون يستثمرون صفاتهم الرسمية بصفة غير مباشرة على غرار العضو في حكومة الترويكا بقيادة النهضة وزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي، جميعهم غير مكلفين وغير مؤهلين للافتاء وبيان جواز ما يتوجب فعله من عدمه والتحريم والتحليل كما اتفق على المقاس وعلى الحساب وفق الاجندات التي لم تعد خافية على أحد علاوة على أننا نملك الى حد الساعة مؤسسة رسمية للافتاء ولا نخال ان التونسيين المسلمين منذ 14 قرنا بحاجة الى منظمة أو كتيبة للدفاع عن القرآن فهذا النص الالاهي ليس مستهدفا وهو المشترك بيننا الذي لا ينص على وجود واسطة بين الله وعباده.
ثانيا، يعاب على هؤلاء «المشايخ» الكيل بمكيالين في التفاعل والتعاطي مع أولويات المجتمع، فالبلاد تعيش على وقع اضراب عام في غضون أسبوع من الآن وأكثر من قطاع مهني نزل بعد الى الشارع وكذلك شرائح اجتماعية كثيرة في ربوع الوطن لم يعد لها من ملاذ سوى الشوارع والساحات أمام تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية بالخصوص وتدهور القدرة الشرائية وفقدان عديد المواد الاستهلاكية الأساسية والأدوية وفي المقابل تنامي التهديدات الارهابية، ألا يوجد على جدول أعمال هذه المشايخ نزر قليل من الاهتمام بهذا الشأن العام يستدعي تنظيم الندوات والاجتماعات والنزول الى الشارع كما حصل يوم السبت 5 جانفي في العاصمة لتبشيرنا بان المبادرة الرئاسية حول المواريث اعتداء على احكام الله القطعية التي لا تقبل الاجتهاد؟ هل المساواة في الميراث وحدها تخضع لاحكام قطعية، الا توجد أحكام قطعية في علاقة بتعدد الزوجات مثلا، واقامة الحدود؟
وفوق كل هذا، ألم يحرّم الله قتل النفس البشرية، فهل ما يأتيه الارهابيون من سفك دماء العسكريين والأمنيين والمدنيين وكلهم مسلمون واخرهم الشهيد خالد الغزلاني لا يدخل في خانة التحريم عندهم؟ أسئلة كثيرة صراحة تغذي شكوكنا في نوايا هؤلاء «المشايخ».
ثالثا، ولنأت الى المضامين، انهم يتحدثون عن «استهداف السلم الاجتماعية» و«تغييب مؤسسة الزيتونة» وضرب فصول الدستور 1 و6 و145 و146 و«المس بالمقدسات» و«هدم الاسرة وفرض الطابع اللائكي للدولة وتغليب الاقلية على الاغلبية»… ليس ذلك فحسب بعضهم يتحدث عن أشياء لم نعثر عليها صراحة في المشروع المثير للجدل والذي يتعلق باتمام مجلة الاحوال الشخصية بتنقيح جزئي وبسيط يشمل أساسا الفصلين 145 و146 ويتضمن من أجل ذلك خمسة فصول تترك في النهاية الخيار للتونسيين بين اعتماد المساواة التامة في الميراث أو اعتماد الاحكام الشرعية بناء على طلب المعني بالأمر صاحب الإرث.
المؤسف في تقديرنا دائما، ان التعلات والمزايدات والقراءات السطحية والمجحفة كذلك لمبادرة رئيس الجمهورية التي تأخرت زيادة عن اللزوم وكان بالامكان أن تتحقق المساواة الفعلية في الميراث قبل هذا التاريخ بكثير، تصطدم اليوم بخمول «الحداثيين» وخصوصا أولئك الذي هلّلوا للمبادرة وتحدثوا عن لحظة فارقة جديدة في تاريخ تونس بقيمة لحظة اعتماد مجلة الاحوال الشخصية قبل عقود.
وهنا تطرح أيضا الأسئلة حول الحوار المجتمعي حول الموضوع وحول الندوات والمؤتمرات والبحوث والدراسات والمبادرات التي تسوّق وتشرح للناس أن المساواة في الميراث ليست «عملا من رجس الشيطان» وإنما تكريس للحقوق المتأصلة في بني البشر واقرار بالمساواة الفعلية والتامة بين المرأة والرجل.
أين هي وزارة المرأة من هذا التشريع الذي يمس جوهر وجودها؟ أين مركز الدراسات والبحوث والتوثيق حول المرأة المنكبّ في هذه المرحلة على ظاهرة العنف والتحرش والحال ان حرمان المرأة من حقها في المساواة في الارث يضاهي أعتى أشكال العنف والتحرش؟ وأين حزب رئيس الجمهورية، نداء تونس وكذلك فروعه المنشقة «الحداثية» حتى النخاع؟ أين هم أعضاء «اللجنة»، الم يكن بمقدورهم مواصلة «النضال» للدفاع عن عملهم وتسويقه وفق استراتيجية شاملة ام أنهم كانوا مجرد تقنيين كلّفوا بمهمة؟
وحتى القوى التقدمية في المعارضة وقوى المجتمع المدني مطالبة بتجاوز هذا الخمول والمضي قدما في الدفاع عن ركن من أركان رسالتهم ودورهم الاجتماعي والسياسي والتاريخي دون حسابات خصوصا وأنهم كانوا سباقين في الانتصار للمساواة الحقيقية على مر العقود.
Comments